الأربعاء ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧
بقلم
يعود الشجر إلى البحر
أبداً لم يكن والدي رجلاً رومانسياًلم نراه يحضر يوماً وردة لأميلكنّه يحضر الكثير من اللحمأمّي تصنع بوفرة الخبز والكعكتظلّ ترقب درب المدرسةحتى لم تعد ترى المسافةوالصغار ينتظرون صباح العيدتتوضأ أمي بالطحين وتعصر أكمام القِدِرتمسح أشلاء النهار بأطراف ثوبهاتفرش تعبها وتصليوتعود إلى الصكوك العسيرةترتّل أورادها وتتهيّأ للظمأونحن مثل كرات زجاجية صغيرةنتدحرج بين أكياس السكّر وأقدام العمّاتوأكوام اللحموالدي رجل ضخم البنيان والقلب والإيمانيشبه طاحونة قديمةيحلّق مثل أذكار الخشوعكلّما أكل لحاء القمح نيئاَيطوف مثل قائد حربيكلّما علا صوت المئذنةويحصي أطراف العباديُحبّ طهي اللحم وإطعامهيهبُ الأسماء وريد الخبزويقرض كفّ اليتيمتضيق السلال على المواسموتتوهّج عيون القوماللحم وافرتفيض الغِلال على المريدينيبتسم أبي مثل وجه النهرتمعن الأفواه في افتراس اللحميبتسم والدي أكثروكلّما تنسّم جارنا الرائحةيأتي ليلقي التحيةوالقوم لا يخرجون إلّا ويعودونلم أرث حبّ اللحمأورثني وحشة بأنيابوأرق الاتجاهاتأبي لم يكن رجلاً رومانسياًبل رجلاً شيخاً عنيداً ًوكان يضربني كثيراًلكنّه رجل جَوَّادٌ معطاءبقلب يشبه ورق الورديُطعم كرز عينيه لمن يشاءكان يناديني من حيث لا أرىويراني من حيث لا أسمعوهكذا ظلّ هو كفاً بارداًعلى حدود الوجعوبقيت أنا أطوي المسافاتلا يستقيم اليراع مع أنامل الراعييقولون حين تهرم الغابةيعود الشجر إلى البحرما زلت أقف على فوهة الرمللا يطاوعني قاربيلكنّني أحرّك الماء المرتبكوأوْصد تقاطيع الشراعكلّما سمعتُ دبيباً أو ثغاء