الجمعة ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

يهود باراك أرسل لمساعدة المغرب في حرب الصحراء

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا للكاتب " دانئيل بن سيمون" جاء فيه أنه بالرغم من كل ما قيل ، فإن المغاربة أطرتهم الصورة التي نشأت للحسن الثاني في أنحاء العالم كمن يدير مملكته بيد حديدية.
عندما سجن المتمردين والمعارضين في ظروف فظيعة ايضا، حظي بتقدير شعبه. لا الجميع، بالطبع. غضب مغربيون كثيرون عندما سادت اشاعات عن تبذير يثير القشعريرة في قصوره، ومع ذلك، فقد استطاعت قلة أن تتجاهل المجد الدولي الذي منحه لبلدهم. فقد اجتاز في احيان ايضا أبعاده المتواضعة.
في جنازته ودعه ملايين علي امتداد شوارع الرباط، وهم ذاهلون للعدد الكبير من القادة من أنحاء العالم الذين ساروا خلف النعش. كانوا جميعا تقريبا هناك. الملوك، والرؤساء، ورؤساء الحكومات، الذين زحم بعضهم بعضا وهم يتصببون عرقا من الحرارة: بيل كلينتون وجاك شيراك وايهود باراك وشمعون بيريس والملك خوان كارلوس من اسبانيا والملك فهد من السعودية.
الوجه المنقبض لمحمد السادس كشف عن مشاعره. عانقه كلينتون بحرارة. وباراك ايضا. والزعماء الآخرون. وكأنما لاحظوا الوحدة الكبيرة التي أوحي بها. همسوا للملك محمد السادس بكلمات تعزية. لم يعدُ الملك الجديد أن هز رأسه وشكرهم. بالعربية وبالفرنسية وبالانكليزية. بكلمة واحدة أو اثنتين. لا أكثر.

و منذ ذلك الحين لم يطرأ أي تغيير علي الشخص. بعد ست سنين ايضا من الحكم الهاديء، ما زال يوفر الكلمات. تحدث ايهود باراك بأنه عرفه من قريب عندما اعتاد أن يلقي أباه، الحسن الثاني. حينما كان ضابطا، أرسلت اسرائيل باراك للمساعدة في صراع المغرب علي السيطرة علي الصحراء الغربية. في كل لقاءاته مع الملك جلس ولي العهد الي جانب أبيه صامتا. بالرغم من أنه قام في خدمة أبيه، فانه لم يُطلب اليه قط أن يُسمع رأيا، ولم يُطلب اليه قط أن يقدم مشورة. هو هو وأنا أنا ، أجاب الحسن الثاني عندما سُئل عن علاقته بابنه.
أكثر الحسن الثاني من لقاء الصحافيين. ولقد قدر تقديرا خاصا محادثة جيدة وقضاء وقت ممتع مع صحافيين فرنسيين معروفين. لقد اعتاد أن يدعوهم اليه من غير أن يحدد موعدا دقيقا للمقابلة الصحافية. في انتظار اللقاء هذا مع الملك غُمروا بألطاف القصر. وفي احيان استمر الانتظار اياما.
أما الملك محمد السادس فلم يلب مئات الطلبات لمقابلات أُرسلت اليه من مراكش ومن أنحاء العالم لإجراء مقابلات صحفية. و لم يُجدِ ضغط جهات في الادارة الامريكية ايضا علي منتجي البرنامج ستون دقيقة للحصول علي مقابلة معه، ولم تساعد الصحافيين الفرنسيين معرفتهم الحميمة بأبيه. لم ينجح أحد منهم في أن يحطم حاجز صمت الملك لاسيما في السنوات الأولى من حكمه. حصلت ال ـ باييس الاسبانية فقط علي اجابات مكتوبة عن اسئلة أُرسلت الي الملك، وذلك فقط لأنه كان يوشك علي زيارة رسمية الي اسبانيا.
منذ ست سنين وصحف المغرب لا تكف عن الكتابة عن الملك وكأنها من حاشيته، وكأنهم تحدثوا اليه، وكأنهم كانوا في حضرته، وكأنهم عرفوا سره. ومع الوقت، بسبب القطيعة الاعلامية التي فرضها الملك علي نفسه، اضطرت الصحافة المغربية الي ابتداع حياته.
ليس هذا عادلا ، ثار أحمد ابن شمسي، محرر تيل كيل ، وهي صحيفة اسبوعية مغربية باللغة الفرنسية، ما الذي يعتقد الملك عنا ـ لا نعلم. لانه لم يتحدث قط الينا. فمن جهة يطلب تأييدنا وتفهمنا ومن جهة ثانية لا يقول لنا شيئا. هل يريد ان نساعده؟ فليقل لنا اذن ما الذي يريد .
في المناسبات الرسمية ايضا تجاوز المسار الذي حدده أبوه. اعتاد الملك الحسن الثاني ان يدعو آلاف الضيوف من النخبة المغربية الي احتفالات تظاهرية أجراها في قصوره. دُعي مئات لتقبيل يده وحظي كثير بتبادل كلمات الأدب معه. انقطعت هذه العادة... احتفل الملك محمد السادس بيوم ميلاده في قصره في مدينة تطوان... دُعي بضع مئات فقط الي حفل الحديقة. اكتفوا بمشاهدة الملك من بعيد، محاطا بأبناء عائلته. دُعي نحو 20 منهم فقط الي استقبال ضيق أُجري في قاعة مغلقة. كان هنالك رئيس الحكومة، ووزراء كبار، وعدد من الدبلوماسيين الذين يخدمون في عواصم مهمة، ورجال دين وعدد من رؤساء أذرع الجيش. بعد مضي ساعة قصيرة انفصل عنهم وانطوي للعشاء مع عائلته.
لا يذكر ذوو العلم بخبايا الشؤون الملكية زُهدا ملكيا كهذا. كل من التقي محمد السادس لاحظ نكوصه، عن مواصلة الناس. لقد ابتسم إلي بخجل وهز رأسه ، تحدث مسؤول كبير مغربي دُعي الي حفل يوم ميلاد الملك، لم تكن أي كلمة أو أي طُرفة أو أي شيء. قبلت يده ومضيت قُدماً .

إن اولئك الذين لا يتحمسون ايضا لتباعده يعترفون بأن الملك جمع قوة حكم لا تقل عن تلك التي كانت لأبيه أو قد تفوقها في عدد من الحالات. من ذا يذكر اليوم الحسن الثاني؟ . قال لي أحد مستشاريه الاعلاميين، اعتقد الجميع أن محمد السادس سيعيش في ظل أبيه طول حياته. انني سعيد بأن أبشرك اليوم بأن هنالك ملكا واحدا فقط .
بعد أن جلس علي عرشه الملكي بدأ محمد السادس من فوره يفصم العُري التي ربطته بأبيه. فقد أقال ادريس بصري، وزير الداخلية القوي واليد اليمني للحسن الثاني. وبعد زمن أرسل الي البيت مقربين آخرين من أبيه. أعاد الملك الجديد الي الدولة فارين مشهورين وعلي رأسهم ابراهام سرفاتي، وهو شيوعي يهودي مكث في السجن نحوا من عقدين من عمره، بسبب النضال المُلح الذي وجهه الي سياسة الحسن الثاني في الصحراء الغربية. وقد سُمح ايضا لأبناء عائلة أوفقير بالعودة الي بلدهم.
أُعدم الجنرال محمد أوفقير عقب محاولة انقلاب فاشلة في صيف 1972، لقد استغل مكانته كوزير دفاع ووزير داخلية في المملكة وأرسل طيارين حربيين لاعتراض الطائرة الملكية التي أعادت الملك الي بلده. أصيبت الطائرة وهبطت بصعوبة فقط بجانب العاصمة الرباط. فشلت المؤامرة وبعد مضي عدة ايام وجدت جثة أوفقير المثقوبة بالرصاص. أُعدم الطيارون الحربيون وأُرسل عشرات آخرون من المتآمرين ليتحللوا في سجن تزمامرت في قلب الصحراء. لم يستطع كثير منهم تحمل التعذيب وظروف السجن التي لا تطاق.
من اجل الانتقام من أوفقير، أمر الملك الحسن الثاني بسجن زوجته وأبنائه، أبناء الثلاث والخمس. بفضل ضغط دولي فقط أُطلق سراح أبناء العائلة، بعد 18 سنة في السجن. اشترط الملك اطلاق سراحهم باجلائهم عن المغرب. بعد موته فقط أجاز ابنه، محمد السادس، لأبناء العائلة أن يعودوا الي بلدهم. قوبلت الخطوة بتنفس الصعداء في المغرب وفي العالم كله. هتفت له منظمات حقوق الانسان وطلبت اغلاق سجن تزمامرت. أُرسل الي سجن التعذيب هذا، في حرارة تزيد علي 50 درجة مئوية في الصيف، سجناء سياسيون وجهات تآمرية عارضت حكم الملك. مع السنين غاب مئات منهم تحت جنح الليل وبعد زمن فقط بُشر أبناء عائلاتهم بأن أعزاءهم ماتوا في السجن ذاك وفي سجون تشبهه.
حث المغربيون ملكهم علي اجراء محاسبة نفس علنية في كل ما يتعلق بجرائم الحكم السابق. وقد طلبوا طلبا خاصا التحقيق في قضية التعذيب والتنكيلات في سنوات حكم أبيه. دهش الملك من قوة الطلب. كل يوم تولد اتهامات جديدة. نافست وسائل الاعلام بعضها بعضا في من سيغطي في توسع أكبر صرخة الاحتجاج. فصل الصحافيون والمحللون حياة البذخ التي عاشها الحسن الثاني وطريقة حكمه الاستبدادية. لاول مرة في تاريخ المغرب وُصف الملك كـ ديكتاتور... في محاولة للاتصال بالمزاج العام الشعبي الجديد، أبعد الملك الجديد نفسه عن مراكز حكم النخبة القديمة وفي احيان نادرة فقط زار القصور التي تنتشر في أنحاء الدولة. منذ الآن سيكتفي ببيت فخم لعائلته ولأفراد حاشيته. بدأ يزور الأحياء الفقيرة لكي يقف من قريب علي ظروف الحياة فيها. في خطبه الاولى اعترف بأنه شعر بالخجل عندما اكتشف البؤس الفظيع الذي يعيشه ملايين من أبناء شعبه.

ثار في المغربيين انطباع من نياته، لكنهم طلبوا معالجة فورية لجرائم الماضي. عليك أن تعالج الماضي قبل ان تتحدث عن المستقبل ، طلب عنوان في احدي الصحف الاسبوعية. وفي النهاية خضع الملك للاحتجاج الشعبي. قبل نحو سنتين، في خطبة للأمة، بشر باقامة لجنة عدل ومصالحة تسمع شهادات اولئك الذين كانوا من ضحايا الحكم السابق. كما في جنوب افريقيا، قرر المغرب ايضا أن ينقل النقاشات ببث حي في التلفاز. اشترط الملك شرطين فقط: ألا تُذكر أسماء القائمين علي التعذيب وألا تتجاوز الشهادات سنة 1999، وهي السنة التي تُوج فيها ملكا. استمرت حملة الشهود اشهرا. كانت الشهادات صعبة. تحدثت أمهات كيف اختُرق باب البيت في الليل وانتزعت الشرطة الأبناء والبنات من الأسرة ومنذ ذلك الوقت لم يرونهم بعد. تحدث سجناء من سجن تزمامرت عن التعذيب الذي مر عليهم، وعن تحطيم الجسم والنفس.

بكي الجميع. والقضاة ايضا. تحدث الملك في احدي خطبه عن أنه ذرف دمعة عندما سمع القصص. كان من الصعب عدم تقدير شجاعته. لانه في قراره مناقشة جرائم مدة الحسن الثاني، قد قرر الابن المكان الذي سيكون لأبيه في تاريخ المملكة.

هددت محاسبة نفس الأمة أن تتجاوز الاطار الذي حُدد. فقد طلب مغربيون أن يعلموا كم هي أجرة الملك. وكم من المال يملك. وأين توجد أملاكه. وهل توجد في مصارف في سويسرا؟ أو هل توجد في دولة اخري؟ انفلتت التأملات. كان هنالك من تحدثوا عن أملاك تبلغ الي عشرة مليارات دولار، وكان من تحدثوا حتي عن أربعين مليارا. لماذا لا يدفع الدين الخارجي للمغرب بهذه الاموال؟ ، وجه اليه الكلام عبد السلام ياسين، زعيم المنظمة الاسلامية العدل والاحسان .

نافست الصحف بعضها بعضا في تحطيم أسطورة الملكية. فقد تطرقت احدي الصحف في عنوانها الرئيسي إلى عادة تقبيل يد الملك في المناسبات الرسمية وأثارت التفكير في جذورها. هل ينبع تقبيل اليد من استخذاء المغربيين؟ كتبت. وحللت صحيفة اخري العادة وقررت أن هذا هو طرف جبل الجليد فقط، وأن الاستخذاء والعبودية كامنان في أصل ثقافة المغربيين.

الي أين يمكن مد الحبل؟ هذا هو السؤال الذي شغل المغربيين. ما الذي يحل وما الذي لا يحل؟ متي سيطرق الشرطة أو رجال الأمن الباب لينفذوا اعتقالات جماعية؟ وسريعا نشأ اتفاق عام بأن كل شيء مباح ـ ما لم يمسوا بكرامة وبمكانة الملك.

وفي النهاية حدث هذا ايضا. ففي مقابلة صحافية في مايو من هذا العام قالت نادية ياسين، وهي ناشطة اسلامية بارزة وابنة عبد السلام ياسين، انها تريد أن تري نهاية الحكم الفردي في المغرب. انتظر الجميع متأهبين رد الملك أو رد بلاطه. وكعادته، اختار الملك الصمت. أكدت نادية ياسين أنها لن ترجع عما قالت: آسفة فقط لأنني لم أقل أكثر في المقابلة .

وفي النهاية قدمت الدولة استئنافا عليها بتهمة المس بالمؤسسة الملكية. ابتدأت المحاكمة في الرباط، لكنها تسير سيرا بطيئا. يبدو أن السلطات لا تعرف ما تصنع بنادية ياسين. ففي كل يوم يقوم مئات النشطاء الاسلاميين في قاعة المحكمة ويهتفون بشعارات تأييد لها وللاسلام. أصبح من الواضح لنظام الحكم، أن المحاكمة قد تتطور لتصبح نضالا جليا بين الدولة والحركات الاسلامية.

وصلت العلاقات بين الطرفين حد الخطر بعقب اربع هجمات انتحارية نُفذت في الدار البيضاء في 16 أيار (مايو) 2003. سجنت الدولة آلاف النشطاء الاسلاميين. أُغلقت المساجد، وأُبعد الواعظون وحُدد نشاط الدين في الدولة.

كانت هذه هي المرة الاولي التي يأخذ فيها محمد السادس بسياسة القبضة الحديدية لأبيه. لقد أدرك انه اذا لم يقض علي الاسلام الاصولي في بلده، فان نظام حكمه معرض للخطر. قال أحد مستشاريه نجح العمل نجاحا باهرا، نسيطر سيطرة تامة علي الاسلام المسلح. لم يعد يتهددنا بالخطر .

ربما لهذا السبب قد تراوح محاكمة نادية ياسين في مكانها الي أن تغيب عن الوعي العام. الملك مصمم علي تأسيس سلطته علي اتفاق عام لا علي أسنة الرماح. الدمقرطة المعجلة وسلسلة الاصلاحات في كل مجالات الحياة تغير وجه الدولة. يقدر خبراء، أن الحديث عن عملية قد تجعل مؤسسة الملكية تمثيلية فقط، على نحو يشاكل الوضع في الجارة الاسبانية. هذا ما يريده الملك ، أوضح أحد مقربيه، لا يتحرق شوقا الي الحكم كما تحرق أبوه، انه يطمح الي تعزيز المؤسسات الحاكمة ...

وهاكم كلمة عن اليهود واسرائيل. لقد رفع الانفصال من غزة أسهم اسرائيل في عيون المغاربة. فبعد سنين حظيت فيها بعناوين سلبية، غيرت الصحف اتجاهها وأبلغت بنغمة ايجابية عن خطوات اسرائيل. رسالة التهنئة التي أرسلها محمد السادس الي رئيس الحكومة، ارييل شارون، نشرت كاملة علي الصفحات الاولي في الصحف.

بارك اليهود في الدولة ذلك. وعندما يعمل الاعلام بين الدولتين، فانهم يشعرون بأنهم محميون. في بداية الانتفاضة تظاهر مليون مغربي ضد تعامل الاسرائيليين مع الفلسطينيين. سُمعت في المظاهرة صيحات تندد بيهود المغرب ورُفعت لافتات طلبت اليهم ان يتركوا الدولة. الآن يُشعر بهدوء كبير. مكانة الطائفة اليهودية تحافظ عليها السلطات، وبعد العمليات الانتحارية في الدار البيضاء سارع محمد السادس الي زيارة مركز الطائفة اليهودية في المدينة الذي تضرر.

يعيش في الدولة 2500 يهودي، أكثرهم في الدار البيضاء، اولئك هم بقية الطائفة ذات النشاط الكبير، التي كان عددها في فترة أوجها أكثر من 400 ألف يهودي. بعد عقدين أو ثلاثة عقود قد يُنزل الستار علي هذه الطائفة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى