الثلاثاء ٢٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم رشا السرميطي

يوم الأرض الفلسطيني

بريد الشَّعب

رسالةٌ من شعبٍ على الأرضِ لا يُساوم،

المُرْسَل إليه: لم يُحدد بعد.

أنا .. وأنتم .. أم أرضنا !

لا أعلم.

نص الرسالة كامن بين الحشائش الخضراء،

في المدن والقرى ممتداً إلى المخيمات الحمراء،

أنبت الحق فروعاً صفراء،

وتأكد المشهد الأسود يا وطني،

فلا ثمر لزمن عاقر،

ضيَّع البياض.

صارت الرؤيا بلا ضباب،

والعقل الرَّشيد قدَّم تقريره الطِّبي، وسافر.

هم غابوا مع غياب المطر،

كذلك، الأحباب رحلوا يومها..

صعدت أرواحهم إلى السماء، إذن..

ونحن بقينا على هذه الأرض،

نتكَّبد اللَّيل الطَّويل،

ونمشي على طريق الشَّوق بابتلاء،

أمام تاريخ توَّقف!

وساعة أثرية كساها غبار الحزن،

الذي ننفثه زفيراً يعزّينا،

كيف نعيد تشغيلها مع غياب الساعاتيّ؟

رحمة الله عليك يا ألم.

هكذا، اعتاد آذار أن يُكَفْكِفَ الدَّمع بأعيُننا،

ويُزهر الرَّبيع في عمرٍ آخرٍ لا يشبهنا،

أشرقت عليه شمس حريتنا المتكسِّرة،

كما سبق الأعوام،

خلف قضبان الأسر.

فاغتيل الحرف على مقصلة الكلمة الصَّادقة،

ترامى منثوراً يخضِّب السُّطور،

ويلوِّن الورق،

واستقى من نزف الدِّماء،

طهارة استشهادية،

ها هو العام ألفين وإحدى عشر،

والذِّكرى لم تزل خالدة في نفوسنا.

كي نذكر..

أو ربما كي لا ننسى،

الثلاثون من آذار.

يوم الأرض الفلسطينيّ !

اشهد يا حكم القلم وسجّل،

اكتب واصرخ،

قاتل وإيَّاك أن تهادن،

انظر إلى أعالي القمم،

وحدِّق معي بغروب الشمس،

ودّع الحزن وتابع ما بعد اليوم بأمل !

هامات الرجولة أينعت،

ومازالت الحرية حلم،

للقدس ونابلس، وجنين، وإليكِ يا عرابة سنرجع..

كفركنَّا والجليل، وأهالي الطَّيبة وسخنين..

إليكِ يا فلسطين الرِّثاء،

ذكريات من الأمس الحزين،

والأيام تهطل على الذَّاكرة،

بغزارة تتسابق الأحداث حولنا،

مهما زاد النَّهب واكتظ السَّلب،

دون حسر،

أو نصر،

بجدار فصلٍ عنصريّ، أم قهر.

سنحطم تلك القيود،

وسنقاوم..

بالحجر والبندقية،

سنلتقى والفجر بزكيّ عطر السُّجود،

ونتنفَّس الصَّبر عزاء لنا،

ويستمر القلم بالرِّثاء العتيق،

والسؤال الأزليّ ما غادر شفاهنا:

فهل سنرفع يوماً ذاك العلم؟

ربما؛ نعم ..

ستمضى الأيام بأعمارنا مرتحلة،

وتصطحب معها كل أعيادنا واحتفالاتنا،

وستنهمر المآقي دمعاً كان حليفنا،

ما أكثرها الأحزان حين نعدّ أعيادنا..

ها نحن نزّف فلسطين إلى الأرض،

في عرس جديد،

نعلِّي فيه زغاريد أمانينا المقتولة،

خلف قضبان العجز،

في دبكة من قبس الحرية،

والشمس العربية تكابر !

تشرق باتفاقيات جديدة،

وتغيب بنكسات عتيدة،

لتحجب عن أحلامنا الدفء،

ويصبح القادم بارد جداً.

سيجفف المطر من غيم الحب،

ونهدى فصلاً آخراً،

لسلطة إحتلال أخرى،

لكي يكتب المؤرِّخون دستوراً،

وُلد من رحم النِّضال ميتاً.

اليوم نحن مجتمعون معاً،

بلا أزمنة لأفعالنا،

فلا نحو ولا صرف اليوم،

نذكر ونتذكر أياماً ماضيةً،

وإخفاقات آتية،

نتنبؤ بالشَّر قبل أن يأتي،

ونمرّره من بين أيدينا،

باعتقاد خاطئ،

لا يمنع.

نردّد ذات الأهازيج،

ونحفظ ما غنَّت به أرواح شهدائنا،

على هذه الأرض المقدسة،

بُذِلَ الدَّم شراباً،

بكؤوس الحسرة والهوان،

لكنَّنا، على عهدهم باقون،

ولسوف نستردّ الثَّرى،

ونحرِّر التُّراب من دنس المحتل الغاشم،

نعم يا فلسطين،

نحن اليوم نؤِّكد الوعد،

صامدون مابقيت جذور أشجار الزَّيتون،

متمسكة في أعماق الأرض، وذاتنا..

أصالة من ربوع بلادنا،

والتَّاريخ شاهد حق،

كما الأرض حق لنا،

وشاهدة على مذابحنا وثوراتنا وانتفاضاتنا.

في مثل هذا اليوم سجَّلت الشُّعوب العربية ملحمة بطوليّة،

بل درساً في اللُّحمة المصيريّة،

عندما أعلنت عصيانها وإضرابها،

صرخت متمرِّدة غاضبة على القادة والقيادة،

وتذَّمرت أمام من يشغلون كراسي المصير المجتمعيّ،

كسَّرت جدران الأسر،

وقضمت أقفال السُّجون،

كي تخرج،

ثائرة على ضيق الزنازين،

في الثَّلاثين من مارس.

سجِّل ملايين الأحرار عبارتهم،

وقالوا: كلمتهم..

لم ينتظروا مؤتمر قمة عربية،

ولا لجنة رباعية،

ولا مبادرة أمريكية،

ولا خطة أوروبية.

بصمودهم عبّروا عن غضبهم،

عبرُّوا عن رفضهم،

وتضامنهم وقالوا: نحن هنا .. ومن هنا، اسمعوا نداءنا .. لن نرحل.

نحن من هنا، ولن نتقطَّع ولن نتهجَّر ..

تلك هي أرضنا،

أعلنها الجيل قسماً بترابه الباكي،

مببللاً ثنايا الروح بنسماته المتصاعده،

وبدأ إضرابه في صمته الطَّاهر،

مدوِّياً في كافة أرجاء البلاد،

صدىً للحرية !

وعمَّ الإضراب العام.

إن أرضنا ليست مشاعاً كي تُباع أو تُهدى..

أرضنا حياة؛ وبداية ليس لها نهاية..

أرضنا حريَّة وكرامة..

وتمضي الأعوام بعمركِ وعمري يا أرض فلسطين..

وتمرُّ الأعياد علينا من دون إضرابٍ حادثٍ،

تمرُّ ولا تحمل سوى صمت الأبطال،

مُلاَّك مفاتيح العودة،

وأقفال الانتظار.

ومازال أبناء الوطن بالمخيمات والملاجيء وبلاد الشَّتات

واليُتم يحمل مفتاح بيته القديم..

والأسير ينتظر المعتصم المُبعد،

ولا عربيٌّ يحرِّره من سجنه الظليم.

تمر الأعياد، والاحتفالات قائمة على الأقمار الصناعية،

تَبُّثُ فعاليات هذا اليوم،

يوم الأرض.

عبر الشَّاشات المحلية والعالمية،

وتنشر المقالات في الصحف والمجلات،

فتتسابق المذيعات والمذيعين بنشرات الأخبار،

يحكون أخبارنا،

يحدِّثون المشاهدين والمستمعين كفاحنا،

والأغاني في الإذاعات تهلِّل حق العودة،

تنشد التَّحرير،

والأنين ينتحب منكسراً،

موطني..

موطني..

ولا إضراب واحد يهزُّ ذكرى الأرض!

لا إضراب يحررُّ لنا المجد الكائن في سجون العبودية والتنكيل..

فهل بات يوم الأرض ذكرى اجتماعية، أم أنه واجب إجتماعي؟

تغيرت الشعوب يا أرض،

وما بقيَ لنا سوى شرف الشهادة والنِّضال لأجلكِ يا أرض..

لأجلكِ يا قدس..

ولأجلكِ يا أمنَّا..

ضُمِّي شهدائكِ وخذينا إليكِ،

كي نقيم مأتم الأرض في هذا اليوم،

لعلَّ الشُّعوب تصحو من غفوتها !

وتستيقظ من كهوف الظَّلام التي عمَّرتها،

تلحق بركب الحرية والاستقلال،

الذي يشهده عالمنا العربي،

ليبقى شهدائكِ هم أكرم وأجلّ من يحتفل بكِ،

ومعكِ بعيدكِ،

ضُمِّيهم بحنانٍ وقبليهم،

إلى أن يشرق عيد جديد،

تقيمه شعوب حرة،

نالت استقلالها بإضراب جديد.

بريد الشَّعب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى