الخميس ٢٦ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم عاطف عمر أحمد

فــــــــــــــاصل

(1)

لملم ما بدا ضرورياً للانضمام لمن سبقوه إلى ميدان حرية تلبدت قصائده الأخيرة بنبوءة أمطارها، وقف أمام مرآته يتابع نظرة الإصرار في عينيه وهي تستحيل لنظرة هي مزيج من الشفقة واالسخرية من أحداق لا تزورها أحلام الحياة؛ أحداق لطالما اعتادت أن تمنحه بسخاء نظرات الاستخفاف والأزدراء كلما قص أمامها رؤياه. وقف ليتفقد ذخيرته؛ صدره العاري، نوتة الأشعار، معطف ثقيل، زجاجة مياه وبضعة تمرات. منح أنامله لمسات ربما تكون الأخيرة لجدران غرفته، لفراشه، لخزانة ملابسه، لمقعده أمام الحاسوب، لقدحه المفضل، و.. غامت عيناه.

(2)

أمام التلفاز؛ جمعت أسرته كل ما يلزم لمشاهدة الحلقة الثلاثين والأخيرة من المسلسل المستوحاة قصته من ملفات المخابرات؛ لمعرفة مصير النجم الوسيم الذي يلعب دوراً بطولياً ويضرب مثلاً للفداء والتضحية من أجل الوطن أمام كاميرات التصوير. تناهى صوت الباب إلى مسامع أمه، فتساءلت وهي تضع في فمها مزيداً من حبات الفيشار، من الذي خرج؟ ودون أن تشيح أخته بوجهها عن قسمات وجه البطل وقد تخضب بالصبغات الحمراء التي تحاكي لون الدم، قالت وهي تمسح العبرات التي سالت تأثراً، يبدو أن أخي قد خرج. أخذ الأب رشفة من قدح الشاي وهو يغمغم كيف يفوت مثل هذه الحلقة، وكيف يخرج في هذه الأجواء المشحونة. توالت الأحداث سريعة ومشوقة لا يعكر صفوها إلا كثرة الفواصل الإعلانية، وفي المشهد الأخير وأثناء صراع الأصابع المحموم على زناد المسدس مع ضابط مخابرات الدولة المعادية، ذلك المشهد الذي لم يفقد قدرته على الإثارة رغم التكرار، انطلقت الرصاصة و.. ظهر فاصل إخباري.

(3)

مرقت الرصاصة بجوار رأسه وكأنها أخطأت هدفها، ولكن كيف لها أن تطيش والهدف آلافاً من الصدور العارية خرجت حرة لتحرر من تبقوا في منازلهم من عبيد، استقرت الطلقة في صدر شاباً كان خلفه مباشرة.. وأردته قتيلاً. في طريق عودته للمنزل كانت لعنات السائق التي انهالت عليه حين لمح العلم الذي كان يحرص على إخفائه لا تزال تدوي في أذنيه وتؤلمه أكثر من ركبته النازفة. أدار مفتاحه في الباب وتناهى إلى مسامعه صوت أمه وهي تصب غضبها على المخرج الذي سمح بموت البطل في نهاية المسلسل، وبقايا نقاش بين أبيه وأخته التي بدت مقتنعة برأي والدها في مصير البلطجية الذين يريدون إشاعة الفوضى في مصر لصالح دول أجنبية. كان ينوي أن يوقف النزيف ويغير ملابسه ويأخذ قسطاً من الراحة ثم يعيد أدراجه إلى الميدان، لكن المرارة في حلقه جعلته يستدير إلى البقعة الوحيدة التي تحررت في وطنه ينشد النصر والراحة معاً..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى