الثلاثاء ١٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

التعذيب للجميع

عام 1829 كتب محمد علي باشا في خطاب منه إلي الدواوين أنه : " طالما أغدق النعم .. ولكن ذلك كله لم يجد نفعا.. ولم يبق والحالة هذه إلا استعمال النبوت في تقويم ما اعوج من أحوال ".

وعلى مدى نحو مائتي عام لم تهدأ رقصة النبوت ، ولا تراجع ظله عن نوافذ البيوت، بل وأكسبه الزمن قوة ، وجبروتا، وحنكة في تحطيم الضلوع والأبدان ، حتى أن السنوات العشر الأخيرة شهدت موت 114 مواطنا تحت التعذيب أي بمعدل مواطن كل شهر تقريبا ! وفي عام 2003 توفي أحد عشر شخصا من بين المعتقلين السياسيين تحت ضربات النبوت الذي لا يميز بين إنسان صاحب فكرة ، أو إنسان بسيط دفعه الجوع إلي السرقة .

ففي أواخر عام 2005 سرق أحمد متولي معزة في كفر صقر، فألقت الشرطة هناك القبض عليه، وأرادت أن تسجل عليه سرقات أخرى لكي لا تظل عالقة دون فاعل في دفاترها، وهكذا وقع أحمد متولي بين أيادي المعذبين الذين واصلوا ضربه ليعترف بما لم يفعله، فأخذ يكرر أنه لم يسرق سوى معزة حتى لفظ أنفاسه.

ورغم أن مصر هي إحدى الدول التي وقعت على اتفاقية مكافحة التعذيب المعلنة في 1987 ، إلا أن ذلك التوقيع المهذب المتحضر لم يمنع سماعنا منذ أسبوع بخبر تعذيب مواطن بإشعال النار في بدنه داخل قسم الشرطة في سيوه ! ثم نشرت الصحف في أول أغسطس الحالي قصة نصر أحمد عبد الله وهو مواطن بسيط يعيش من عمله في محل نجارة بقرية " تلبانة " بالمنصورة ، اتجه رجال الشرطة إلى منزل شقيقه بحثا عنه ، فلم يجدوه ، فضربوا زوجة شقيقه وبناته الأربع ، ثم اقتادوا نصر أحمد عبد الله إلي مركز الشرطة وراحوا يضربونه دون تهمة محددة إلي أن نقل إلي المستشفى و توفي فيها . وهاج أهل قريته وحطموا نوافذ وأبواب قسم الشرطة ، فظهر أكثر من ثلاثين سيارة أمن مركزي خرج من جوفها مئات الجنود الذين حاصروا القرية بالقنابل المسيلة للدموع ، وعادوا يجرجرون خلفهم أكثر من سبعين شابا نحو قسم الشرطة كما في الرسوم الفرعونية التي يسير فيها العبيد مقيدين بسلاسل !

لا يدهشني التعذيب ولا التنكيل بالبشر، لأن مصر لم تعرف وقتا ولا مكانا خلا من التعذيب على امتداد تاريخها ، لكن الكذب هو الذي يثير الدهشة والغيظ، الكذب ونحن نبتسم كالملائكة على شاشة التلفزيون وننصح الجميع بقراءة الكتب، بينما نحن نخمد الأنفاس في اللحظة ذاتها، الكذب ونحن نهمس برقة أن المعرفة طريق الحضارة، بينما نكتم صراخ الناس خلف ظهورنا .

لماذا لا تقر الدولة صراحة بأن " التعذيب للجميع " هو مشروعها القومي الناجح والمنتشر؟ إعلان كهذا سيحذف من التعذيب نصفه : أي الكذب، فلا يبقى سوى أن يتجلد البدن وهو يواجه ما يحدث .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى