الجمعة ١٧ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم يونس أحمد عفنان

الشـتاء الأميّ

من بتنا الصغير كالثغر
في الطابق السادس من المرارة
أراهم كل يوم
ذوي الوجوه اللئيمة
و السحن المتحفزة للذبح و الخيانة
و كأنما لم يترك الفقر وحشا كاسرا
إلا و سـاقه إلى شعابها...
أراهم يركضون كفئران المخابر
بين إرهاب الخبز و إرهاب العقائد
يخادعون الغيم و الشمس و الأنبيا
وأزقتهم المفتوحة كأمعاء الجيف
تعربد فيها القمامة و الأغنيات المحدودبة
* * *
من بتنا الصغير كالدمعة
في الطابق السادس من الوجوم
ألمس السماء النحاسية
ذات السخام السميك
و الغيوم الصدئة كأواني الغجر
أتأمل أساطيح الشرق العجيبة
و الحمام الكسول يحط من ثقل الذل...
و يطير من صخب السكارى !
هنا أعيش
حذاء مبحر في الوحل
و وجهي بقايا ورق
يتطاير بين البيوت الشاحبة
المرصوفة كالبثورْ... بين العروبة و المخيم
 
هنا أعيش..
عكاز لليل المسـن
و ذراع للدموع الضريرة
من المستحيل إلى الطابق السـادس
ومن الطابق السادس إلى المسـتحيل
أصعد و أهبط بلا رأفة
كسكين مثلمة في مجزرة..
كالقئ المحتبس بين الحلق و الأمعاء
غير أني يا ليلى ذات يوم
سأصفق الأفق ورائي بعنف..
عندما أجد الأفق
إذا كان من أفق هنا للسماء
إذا كان من أفق في الشرق للسماء
* * *
تجئ غيوم و تمضي غيوم
و الشـتاء الجاهل لا مطر لديه للحنين
و لا عصافير مبتلة للأمل
لا رائحة للتراب توقظ الروح
و لا حبرا طازجا للقصائد..
تجئ غيوم و تمضي غيوم
و نحن اللذين لا يملكون من المستقبل إلا الثرثرة
و من البلاغة إلا الدموع و غبار الكلام
نصنع المسابح من ذرات الزمن
للمسنين و السياح
محاولين أن ننسى صفقتنا الوضيعة مع نعال الأحذية...
بالجنسْ.. و مميعات الدمِ و الذاكرة
سنغتال الظلام بالأقلام و أعواد الثقاب
و لسوف أحبك من جديد يا ليلى..
أذا قدر لي أن أتعلم الحب من جديد
فلقد أقلعت عنه منذ زمن طويل طويل
بنصيحة أخوية من آلهة الشـرق:
"السـوط... و الخبز ... و الضباب"
"سأمشي" يا ليلى ولو لحتفي !!
أذا قدر لي أن أتعلم السـير من جديد
سأزور قبر طفولتي الذاهلة
كاللثغة أمام الأبجدية
وأضع فوقه أكليلا من أعقاب السـجائر،
سأعود إلى وطني لأعضه من عنقه
كمصاص دماء
كحشرة لا ترى بالعين المجردة...
* * *
مزيدا من مواويل النخيلِ و الشاي الخمير ...
أيها العراقيُّ المؤجلْ
" للعشاء الأخير" للعبوات الناسفة
ليلتي حبلى بالمسامير و الهلوسات
فالمساءُ يشحذ سكينه مغمض العينين
و الخرافْ... لم تعد تثق إلا ببسـمة القصاب ! .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى