السبت ١٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم محمد سمير عبد السلام

إعادة إبداع الإنسانية

خصصت مجلة الفلسفة الآن في عددها الصادر شهري مايو، ويونيو2007 محورا، تنوعت فيه الأسئلة التي تجمع بين حقول الأدب، والفلسفة، والتكنولوجيا، وهوالإنسانية، ومسارات المستقبل، ويتضمن توقعات تفاعل الحياة الإنسانية مع تكنولوجيا، وخيارات تحسين الحياة البشرية، وتجديدها، وحدود مسألة الهوية، وإمكانات تجاوزها معا.

يكتب ريك لويس محرر الافتتاحية حول ارتباط مستقبل البشرية، بالخيارات التي يمكننا أن ننتجها، أونبدعها كمسارات للمستقبل ؛ فالمستقبل لا يشكل وفق الصدفة، والعمليات الميكانيكية وحدها، وإنما بما يمكن أن نصنعه من خيارات إبداعية.
لقد استبدل الكاتب الحديث حول إشكاليات المعرفة بالمستقبل، بإبداع مسار يعاد فيه تعريف المستقبل كمجموعة من الاحتمالات الإنسانية الممكنة، والتي تحمل بحد ذاتها تجاوز الحدود التقليدية للحياة الإنسانية.

وأرى أنه لا يمكن للخيار الإبداعي أن يتحقق كبديل عن التنبؤ الحتمي، إلا بوجود لغة تجريبية تخييلية جديدة تسمح، بإعادة بناء مستمرة لمدلول الحياة الإنسانية بحيث تجمع بين المسار، وإمكانات التحول الداخلية الكامنة فيه.

أما الباحث، والروائي رايموند تاليس فيجمع بين أنساق الأدب، والتكنولوجيا، والفكر في تناوله لإمكانات تحسين الحياة الإنسانية، فيستشهد بأخيلة شخصية تريزا في رواية خفة الكائن لميلان كونديرا – حول الكبر المحتمل لأنفها بقدر ملليمتر واحد يوميا، حتي يمكن تخيل وجهها في المستقبل فاقدا لملامح تريزا، وهويتها، كما يرى أنه لا داعي للقلق من فقدان الذات المماثل لأخيلة تريزا، أومسخ فرانز كافكا المفاجئ، فهويرجع للحدس الوجودي في الفلسفة الذي يحول الأجسام قبل – الشخصية، إلى هوية قيد التشكل لأنها ترفض التغير المباغت، لأن التحول المستمر للهوية يبعدها عن العالم المادي لكي تكتسب تميزها الإنساني، دون محوللذاكرة.

ونلاحظ أن جمع تاليس بين ضرورة التحول الحامل لأخيلة الأدب، والذاكرة التي تميز حدس الذات بوجودها في الفلسفة، وسرعة التغير في عالم التقنية، يدل على وعي منتج للتفاعل والتداخل بين المادي، والتخيلي، والتقني دون انعزال لتحقيق التحسين، والتجديد في شروط الإنسانية فيما يتجاوزها.
إن بطل كافكا أيضا لم يتخل عن وعيه عند معاينة التحول، لكنه دخل سياقا حتميا تحوله الفلسفة هنا إلى نزوع نحواختيار لسياق إبداعي تبنى فيه الذات.
ويحيلنا المحور القديم المتجدد بمجلة الفلسفة الآن إلى نقطتين :

الأولى :

تجدد الأسئلة حول التجاوز النيتشوي، وأسئلة الخلود في ملحمة جلجامش، واكتساب قوة أوزوريس عند المصريين، والنار لدى زرادشت مثلا، ثم في الفكر المعاصر نجد اختلاط الهوية بالسرد عند ريكور، والدال باللعب الإبداعي عند جاك دريدا، مثل هذه الأفكار تتحول الآن للغة إبداعية فريدة تتجاوز المعرفة الشمولية في تحديد خيارات المستقبل، وتفيد من أخيلة الأدب، والأساطير في ضرورة التغير، والتبديل ضمن الشرط الإنساني.

الثانية :

لم تتحدث المجلة عن مستقبل واحد، أونسق معرفي واحد، ولكن عن مسارات تولد، وتستمر وفق الاختلاف، الذي يميز المنتج المتغير الذي يحسن شروطه، أويتجاوزها من خلال الاختلاف، واحتمالية نقطة البدء الإنتاجية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى