الأربعاء ٢٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

النقد والمجتمع

" النقد والمجتمع " كتاب جديد صادر عن قصور الثقافة في سلسلة آفاق عالمية ترجمه فخري صالح. يجدد الكتاب طرح العلاقة بين النقد والمجتمع من خلال الحوار مع نقاد معروفين منهم رولان بارت، جاك دريدا، إدوار سعيد، وتيري إيجلتون وغيرهم. ويتخذ النقد – ولن نتعرض لمدارسه – عدة مستويات متوازية تصب في مجالات: تاريخ الأدب ، والنظرية الأدبية ، والتحليل المنهجي للعمل الأدبي ، ثم ما يسمى بالنقد التطبيقي المشغول بالتفاعل اليومي والذي يقوم عبر الصحافة الثقافية بمخاطبة أوسع شريحة ممكنة من القراء بتبسيط المعرفة النقدية والتخفف من اللغة النظرية . وفي هذا النوع الأخير من النقد – المفتوح أمام الكثيرين - تتضح بقوة علاقة التفاعل بين النقد والمجتمع أكثر مما في أي مجال آخر .
إنه ما يطلق عليه إدوار سعيد " النقد الدنيوي " الذي يرى أن النصوص الأدبية منشبكة " بالظرف والزمان والمكان والمجتمع " ، وأن دور الناقد ليس أن يقودنا إلي داخل النص ، بل أن يتحرك بنا من الداخل إلي الخارج ، وأن يمكننا من قراءة تعاون الهيمنة بين الخطابات السياسية والأدبية . ولهذا ينفر إدوار سعيد من الفلسفة النصية الخالصة ويعتبرها ضيقة الأفق وشديدة المحدودية ، ويرى أن هناك قدرا كبيرا من الجهد غير الضروري يذهب إلي تعريف ما هو أدبي بصورة خالصة ، ويرى أيضا أن النقاد قد عملوا على تهميش الأدب وتهميش أنفسهم بتسليمهم بأن " الأدبية " و " الجمالي " هي أشياء يمكن عزلها عن الممارسات الاجتماعية ، وتعريضها للتنظير الشكلي . وهكذا نجد أن محاولة عزل النقد عن المجتمع لا تقل فشلا عن تلك المحاولة في مجال الأدب، وإذا كان النقاد وهم يسعون لتأليه ما هو " جمالي " بحت يعرضون أنفسهم للتهميش ، فإن الأدباء يتعرضون لنفس العقاب حين يلهثون وراء ما هو " أدبي " بحت. وبشأن تعدد مستويات النقد ، يقول الناقد البريطاني تيري إيجلتون في حوار معه في الكتاب نفسه : " لقد حاولت في عملي أن أناوب بين الكتابة الشديدة التخصص ، والكتابة الشعبية الميسرة للقارئ العادي .. والحق أنني أشعر بالفضيحة بسبب عدم اهتمام النقاد – حتى الجذريون منهم – بالمهمة السياسية العاجلة للكتابة الشعبية الميسرة ". وبهذا الصدد فإن لبريخت عبارة عن الأدب تنطبق تمام الانطباق على النقد جاء فيها : " لئن تحجرت مشاعري تجاه قضايا الناس .. فكيف يمكن لمشاعرهم أن تتفتح إزاء كلماتي ؟ " .

على النقد إذن أن يقوم بدوره في تقريب الأدب إلي الناس ، وتمكينهم من تذوقه ، والكشف عن جوهره الاجتماعي ، وتعميق خبرة القارئ بالأدب، بشكل يجعل كل ذلك في متناول الفهم . هناك نقطة أخرى غاية في الأهمية يشير إليها الناقد المعروف رولان بارت عند تناول النصوص الأدبية ، إذ يتحدث عن " النقد المتعاطف " في مجرى حديثه عن كتابه " سوليرز الكاتب " فيقول : " من الأفضل أن نؤكد على حق النقد المتعاطف ، فقد عرفت سوليرز منذ فترة زمنية طويلة ، ولهذا لا أظن أن من الممكن الفصل بين محبتي له والطريقة التي أتكلم بها عن عمله .. وينبغي أن نطور هذا الأمر أكثر إلي حد اقتراح نظرية للتعاطف بوصفها قوة دافعة للنقد ". ويشكل حديث رولان بارت ركيزة أخرى هامة في علاقة النقد بالمجتمع ، فإذا كان الناقد يرى علاقة التفاعل بين النقد والمجتمع ، فلابد أن يرى أيضا أنه ما من نقد كالمسطرة يمكن تطبيقه على جميع الحالات ، فالحديث عن روائي شاب أمر لابد أن يختلف عن نقد روائي مخضرم ، والحديث عن الأعمال والتجارب الأولى لابد أن يكون مشبعا في اعتقادي بما يسميه رولان بارت " قوة التعاطف " .

قدمت لنا سلسلة آفاق عالمية – بإشراف طلعت الشايب - كتابا جيدا أحسنت اختياره ، لأنه يقدم صورة عامة لحالة النقد بحوار مع كبار النقاد في الغرب ، كما ترجم فخري صالح الكتاب ترجمة سلسلة ، لفت نظري فيها حرصه على أن يضع في الكتاب أصل الكلمات والمصطلحات الإنجليزية التي تقبل الترجمة بأكثر من طريقة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى