الخميس ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

بغايا وديوثون.... هل انتصروا بهذا فقط؟

في نهاية نيسان وبداية أيار من العام 2005 شاركت بمؤتمر ثقافة المقاومة الذي عقدته جامعة فيلادلفيا الأردنية، وعلى هامش المؤتمر دار حوار بيني وبين الشاعر محمد ضمرة، المقيم في عمان، حول الكاتب حسن حميد، الفلسطيني المقيم في دمشق، وطلب ضمرة مني أن أقرأ لحميد. ولما قلت له أنني لم أعثر، في فلسطين، على أعماله، أهداني رواية "جسر بنات يعقوب". ولم أقرأ الرواية لأنني، بعد عودتي من عمان، أهديت رواية ثانية للكاتب أعادت وزارة الثقافة الفلسطينية طباعتها، وطلبت مني امرأة نابلسية أن أشارك في ندوة عنها، ندوة لم تعقد، علما بأنني قرأت الرواية، وهي "نهر بقمصان الشتاء" ولقد اكتفيت بقراءة هذه، وانشغلت عن قراءة الأولى التي فازت في العام 1999 بجائزة نجيب محفوظ.

قبل عشرة أيام أخذت أقرأ رواية "جسر بنات يعقوب"، وربما أدركت سببا آخر لإهدائي إياها، غير السبب الأول، وهو أن أقرأ لحسن حميد المعجب الشاعر ضمرة به وبكتاباته، وقد أثنى أيضا الكاتب رشاد أبو شاور الذي شارك في الحوار على حميد، وأما السبب الآخر الذي أدركته متأخرا فهو أن الرواية تحفل بنماذج يهودية عديدة، وأنا، ويعرف جميع من يتابعون كتاباتي، أنني أركز كثيرا على صورة اليهودي في أدبنا الفلسطيني والعربي، وأقارن هذه الصورة غالبا بالصورة التي تبرز لليهود في الأدب العالمي، وفي الأدب العبري، اعتمادا على دراسات أنجزت عنهم في هذا الجانب.

وسأسأل نفسي، بعد أن فرغت من قراءة الرواية: يا إلهي! كيف لم أقرأها منذ أهداني إياها ضمرة، بخاصة أنني، منذ خمسة أعوام، أنجزت كتابا عن صورة اليهود في الرواية العربية، صدر مؤخرا الكترونيا عن الالكترونية، ومقالات عن صورتهم في نماذج روائية فلسطينية، في المنفى وفي الأرض المحتلة.

ما الصورة التي أنجزها حسن حميد لليهود في روايته؟ وهل هي مختلفة عن صورتهم في الأدب الفلسطيني الذي أنجز قبل صدورها؟ وعلينا ألا ننسى أن حميد من مواليد المنافي، وأنه لم يقترب، ربما، من شخصيات يهودية، وهكذا يكتب عن تصور أكثر مما يكتب عن تجارب معيشة. يكتب عن رؤى ثقافية ذهنية، أكثر مما يكتب عن نماذج حية مجسدة على أرض الواقع.

يبدو اليهود في الرواية محبي مال، مثل شايلوك، ويبدون أيضا ذليلين منكسرين. ولكنهم يبدون بغايا وديوثين. هكذا تمارس المرأة اليهودية الجنس، وتكون شهوانية، وهكذا لا يمانع الرجل من أن يستغل بناته لتحقيق أهدافه، كأن يجمع المال ويقيم المشاريع. وفوق هذا يمارس السحر والشعوذة، والدجل. وإن كانت الرواية ذات دلالات رمزية، وكان الجسر الذي أقيم في القرية الفلسطينية، قرية الشماصنة، معادلا لقيام دولة إسرائيل، فإن اليهود أقاموها بتوظيف بناتهم لإغواء الآخرين.

ما يكتبه حسن حميد ليس جديدا. لقد أتى على هذه الفكرة محمد عزة دروزة في "الملاك والسمسار" (1935)، وبرهان الدين العبوشي في "وطن الشهيد (1947)، وعشرات الكتاب، وربما كان آخرهم من الكتاب العرب المرحوم السوري ممدوح عدوان في روايته "أعدائي" (2000). ويختلف الأخير عن الأولين في أنه لم يقصر الأمر في تأسيس الدولة اليهودية، على جانب واحد هو توظيف المرأة للخداع والحصول على ما لا يستطيع اليهود الحصول عليه بطرق أخرى، إذ يشير إلى المختبر والعلم والذكاء اليهودي أيضا.

وكان شمعون بلاص في كتابه "الأدب العربي في ظل الحرب 1948-1973" قد توقف أمام صورة اليهود في الأدب العربي، وتوقف أمام ملاحظة كاتب عربي قرأ ما كتبه الأدباء العرب في نصوصهم عن اليهود. لقد لاحظ الكاتب العربي أن أكثر النماذج اليهودية التي أبرزها القصاصون والمسرحيون العرب لليهود سلبية، ما دفعه لأن يتساءل: "اللافتة المستهلكة التي تقول بأن كل نساء اليهود عاهرات، وكل رجالهم مغفلون.... وأنا أريد، قبل كل شيء، أن أتساءل: إذا كان الإسرائيليون هكذا حقا فكيف انتصروا" (ص100، والكاتب هو الناقد صبري حافظ).

وكنت سأتساءل، شخصيا، تساؤل صبري حافظ: أبهذا فقط انتصر اليهود علينا، وأقاموا دولتهم؟ وماذا عن جامعاتهم ومعاهدهم العلمية ومصانعهم؟ إن سبع جامعات إسرائيلية تعد من أفضل 500 جامعة في العالم، في حين لم تدرج من الجامعات العربية بينها سوى واحدة. هل ما يكتب عن اليهود إذن من ان نساءهم عاهرات ورجالهم ديوثون ليس صحيحا، وأنه ليس سوى فكرة عربية مخترعة؟

اليهود متفوقون علميا. لا شك في ذلك، ونحن لا نبرز نماذج لهم في هذا، ولكنهم أيضا لا يتورعون عن توظيف نسائهم لتحقيق دولتهم وأمنهم. إنهم يعترفون بهذا، ويقرون به، وهذا ما يبدو في كتاب "عن طريق الخداع"، وما بدا أيضا في اعترافات مؤيد بني عودة في الأيام 12/8/2007. ولكن هل انتصروا بهذا فقط؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى