الأربعاء ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم بسام الهلسة

أوصدْ باب حجرتِك عليكَ ..

ثم إبْكِ بصمتٍ كغيمة

كوب ماء، ومتواليةٌ متصلة من فناجين القهوة المُرة، ومتابعات لا تنتهي للأخبار التي تبثها الفضائيات، والإذاعات، ومواقع الإنترنت والصحف، واللقاءات والاتصالات الشخصية.
هكذا تبدأ يوم عملك...
وبالطبع مع أوراق وأقلام حاضرة دائماً لتدوين الأفكار والملاحظات...
وفي الليل، في شطره الثاني، يكون دور قراءة الكتب..، الكتب التي صحبتها وصحبتك منذ الصبا، حتى ملأت عليك جوانب حجرتك وحياتك.

 أخبار ؟؟
كم مرة حدثت نفسك بأنك سئمتها، فهربت منها إلى التاريخ، أو الأدب، أو الاجتماع، أو الفكر؟
 لكنك كنت تعود دائماً، لتنغمس فيها من جديد ناسياً ما نازعتك إليه نفسك...
وتسبيك هذه العلاقة التي تبدو وكأن لا فكاك منها، رغم أنك كنت قادراً على الامتناع عن غيرها...
: عن كتابة الشعر والنقد مثلاً اللذين بدأتهما منذ مرحلة الدراسة المتوسطة، وتحنُّ لهما بين وقت وآخر...
وعن كتابة التحليلات السياسية التي خضتها أيام الجامعة وما بعدها...
بل وحتى عن العمل السياسي المباشر الذي كرست له أفضل سنوات عمرك.
 ما الذي يشدك إذن، وبهذا القدر إلى متابعة الأخبار ؟؟
هل هي قوة العادة التي لازمتك منذ الصغر حين كان أبوك يُدوِّر مؤشر المذياع على المحطات المختلفة مباشرة بعد صلاة الفجر؟
 لكنك لم تسمح يوماً لعادات لا تريدها أن تأسرك ..
ولطالما قلت أن مغالبة "سلطة العادات"، ونقدها، شرط من شروط تحرير العقل والإرادة.
 لعلك خَجِلٌ إذن...
تشعر بشيء كطعم الإثم إن أنت هجرت الأخبار...
لأنها تربطك بالناس الذين يشغلك مصيرهم كشأن من شؤونك الخاصة الحميمة والعميقة.
 لكنك، ربما، تكون أسرفت على نفسك، فتعبت...
كما تتعب من الخفقِ أجنحة النوارس، أو الخيل العادية في الميدان..
فتحتاج أن ترتاح قليلاً...
 تعبتَ... تعبتَ ولم تيأس.. وشتّان!!
 وممَّ تعبت ؟
من الأخبار.. أم مما تحمله الأخبار؟
ها هنا الأمر المُمِضُّ الذي يشجيك ويملؤ شغاف روحك بالقهر والأسى...
_ ولكم يغيظك محترفو التنظير والكتابة الذين يتقنون براعة التبرير والتفسير لكل شيء، ويزيِّنون حتى الخراب...
ولكم يذهلك هؤلاء القادرون على مهادنة العدو، أو مساومته، بل وحتى التنازل له، فيما هم أشداء على بعضهم البعض الآخر...
_ وتأبى، أنت الذي علَّمتهُ التجارب ومطالعة التاريخ، أن يفتنك ما يراه بصرك، عمَّا تدركه بصيرتك...
فترفض من أعماق أعماقك الحسرى، ما تسمعه وما تراه من تمزق، وهوان، وصراع، وتدمير لا يتوقف للذات العربية.
فتصرخ في داخلك: ألم يأنِ لهذا الدفق المجنون من الأخبار والصور أن يتوقف؟؟
وما مِن تَعِلَّةٍ لقلبك الكسير المحزون ولا عزاء..

ربما آن لك أن تهدأ قليلاً..
فادخُل حجرتك إذن، حجرتك الوحيدة مثلك..
وأوصد عليك بابها، وبابك.
ثم إبْكِ بصمتٍ.
بصمتٍ أبيٍّ كواحة منفردة..
كغيمةٍ وحيدةٍ غريبةٍ في ليلٍ بعيد...
 
طوبى للغرباء.
ثم إبْكِ بصمتٍ كغيمة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى