الأربعاء ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم بسام الهلسة

آنَ لي أن أرحلَ.. أنْ أخرجَ مني عَلَيْ!!

تريد بحراً تمشي فيه حتى يغمرك. بحر غاضب يتقاذفك موجه ويطويك في ليله الحميم العميق..

أو صحراء ثلجية شاسعة كالمدى.. تسير فيها حتى تكل، فتتمدد مسترخياً تحت نَديفِ الثلج كـ"أيلٍ" حكيم ملَّ القراع.

آن لك أن ترتحل وتمضي في سَفَرٍ ما بعده سفر..

منذ سنين وأنت تحدث نفسك بالأمر، وتَهِمُّ.. فَيَنْهَاكَ نَاهٍ..

أدماك الفساد، وعذَّب روحك بؤس البشر..

يتداولون الظلم كأنهم محكومون بدورات حتمية خفية لا خلاص منها...

وأضناك مشهد التكالب المُروِّع على هذه الأرض التي تنبسطُ كمسرح لصراع لا رحمة فيه ولا عفة.. فكل شيء مباح: الحرب والقتل والغش والخداع والابتزاز والاستغلال والكذب والتزلف.. وسائر النذالات المنحطة التي تترفع عنها الوحوش.

 ولا مقام لك ها هنا فإرتحل...

 سيقول لك الأخلاقيون، والدعاة، والمفكرون، والعلماء، والمنظرون، كلاماً وشروحاً تطول في التفسير والتعليل...

لكنك: وقد عرفت، وجربتَ، وراجعت، ودققت، وتأملتَ فيما هو كائن وما كان، لا تقتنع...

وما من يقين تأنس إليه جوارحك الظِّماء..

امتلك الناس العقل فارتكبوا الجنون!!

وطوروا العلم، فازدادوا جهلاً وإيغالاً في الأذى!!

وبنوا مدنياتٍ عالمية، فعولمت التوحش، وأطلقت الغرائز البدئية حيثما حلّت.
* * *

اعرف رأيك.، اعرف أنك ستقول: هذه هي الرأسمالية التي ولّدت الاستغلال، والاستعمار والإمبريالية والعولمة.

أو ستقول –ان كنت "نسوياً"-: هي هيمنة الرجال الذكور..

أو تقول –إن كنت متديناً- هذه نتيجة الضلال والمعصية...

 لكنني أسألك: وهل كان التاريخ من قبل بريئاً طيباً؟؟

أولم تسفك الدماء الحرام، ويُستغل البشر، ويستعبدوا في ما مضى من عهود؟؟

أولم ينقلب المضطهدونَ إلى مضطهِدين لغيرهم؟

ولا تفهم من كلامي أنني ادعو إلى الصمت عن الجور القائم، فهذا تعرفه من سيرتي الشخصية، ووقوفي في صف المستضعفين مذ كنت يافعاً.. يشهد لي ما فعلته، وما قلْته، وما كتبْته..

لا.. ليس هذا ما أعنيه..

ما أعنيه هو أن الظلم والفساد سيتجددُ إنتاجهما على الدوام، ما دام الناس يفكرون بأنانيةٍ مغلقةٍ: كأمم، وقوميات، وأعراق، وطبقات، وأفراد، وحتى كقارات...

وكل ما سيفعلونه –ما داموا على هذه الحال- هو تبادل الأدوار بين الجلادين والضحايا على مسرح التاريخ...

لن يخرج الناس من "دوراتهم" المتوالية هذه ما داموا أسراها..

وستتخضب الأرض بعدُ بالدماء ما لم يخرجوا من أنفسهم وعلى أنفسهم.. ليروا أبعد مما تراه أعينهم، وأنأى مما تطاله أيديهم.. فيضعوا نظاماً لهم جميعاً –لا لفئة منهم- لا جور فيه ولا فساد ولا مطامع...

نظام لا يعود فيه الكون مهدداً بالخرابِ والفتكِ، بل منزلاً صالحاً للإقامة..

نظام أو "عمران" إذا ما استعرنا لغة السالفين الأصح، يتلاقى فيه البشر كأخوة أو أصدقاء..

 ستقول لي: هذه مثاليَّةٌ بينة؟

: وهل يستحق الناس أن يكونوا "ناساً" -وليس فقط كائنات تأكل وتشرب وتتناسل- من غير ما مُثُلٍ عُليا وكبرى؟؟

 لكنني لم أفهم بعدُ لماذا تريد أن ترتحل.. ألا تعينني؟

 اقرأ كلامي بمعناه "المجازي"، وإستعَِنْ –إن شئت- بـصاحبنا "المتنبي".. بقصيدته التأملية الوجودية الحارقة:

صَحِبَ الناسُ قبلنا ذا الزمانا

وعَناهُم من أمْرهِ ما عَنَانا

......................

* * *

أما أنا فأستودعـك..
آنَ لـي أن أرحــلَ..
أنْ أخرجَ مِنِّي عَلَـيْ

!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى