الثلاثاء ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم علي دهيني

العلاقات الزوجية في شهر رمضان

مزيدا من الوعي في فهمنا لأمور ديننا، تجعلنا في سلامة من التعاطي المباشر أو غير المباشر في أي علاقة مع الآخر، ومع المحيط وقبل هذا وذاك مع النفس. من غير المبالغ فيه أن في فريضة الصوم كثير مشقة، جسدية ونفسية، ولذا لا بد من إشباع هذه الفريضة تعمّقا في التعاطي معها وأداءها دون المبالغة في توظيف ساعات شهر رمضان، بما قد يتسبب في النفور منها، أو التصرف فيها، بما قد يدفع الأخرين إلى التذمر.

كنت بصدد كتابة موضوع حول إلاّوضاع التي يعيشها من لم يتسن لهم إلإيواء بشكل لائق، من الذين دُمّرت بيوتهم أثناء العدوان إلإسرائيلي على لبنان. وحول المساعدات الموعودة التي من المفترض ان تصل الى أصحابها في وقت حاجتهم إليها.. وكيف ان هذه المساعدات أُدخلت في متاهة السياسة التي يكفي الولوج الى بابها لتختفي بسحر ساحر ولا تظهر إلاّ عند أعتاب المحاسيب ولأغراض سياسية في الوقت الذي قدمت فيه على أنها تقديمات انسانية.

انصرفت عن هذا الموضوع لأن ما يشاهده إلاّنسان على إلاّرض يختلف كثيرا جداًجداً عمّا يسمعه من معسول الكلام في الخطب الرنانة والبيانات المدبجة بلغة يكاد المرء يكذب نفسه اذا سمعها عما تراه عيناه. وساعدني للخروج من هذا الموضوع، ما صادفته في سياق التحقيق بأمر بعيد جدا ً عما كنت أسعى إليه، حين ابتسم أحد إلاّشخاص وهو يقول لي "أريد ان اطرح معك موضوعا من خلال معرفتي بالمواضيع التي تتعلق ببعض المشاكل إلاّجتماعية او في الحياة الزوجية..

أصغيت إليه وهو يشكو حالة اجتماعية لا يصح الحديث عنها أينما كان كي لا تفسر بغير حقيقتها كونها تتعلق بصيام شهر رمضان من جهة وبسلوك الناس وتفسيراتهم لأعمال هذا الشهر الفضيل وبخاصة معرفة المستحب من الواجب ومعرفة الحرام من المكروه، إضافة الى اختلاق ذرائع وأقنعة للتستر بها خلف حالة التعبد التي يعيشها الصائم في هذه إلاّيام.

وكي لا نـُحرج احدا ً او نتعرض الى مصطلحات اجتماعية ليس من المستساغ لدى القارىء ان يقرأ بخلاف ما يقتنع نظراً لتمرّس عقله وذهنه وفكره في هذه القناعات. وادخل في طرح السؤال والمشكلة مباشرة لأقول: من يحكم العلاقة الجنسية بين الزوجين في شهر رمضان، الوجهة الدينية أم التقاليد وإلاّعراف والمفاهيم وما اصطلح عليه الناس.. أم إلاّجتهادات الفردية الخاصة..؟

هذا باب من أبواب لأحاديث لم تتطرق اليها موضوعات رمضان بالبحث وإلاّشارة او المعالجات كمناسبة في شهر رمضان، انما قاربتها من خلال الردود على أسئلة موجهة تحمل في مضمونها مشكلة حقيقية عولج منها الجانب الديني ولم يؤخذ الجانب النفسي بالحسبان بحسن نية المشرع بانه لا يستثير ما ليس موضع ابتلاء ويكتفي بإلاّجابة على مستوى السؤال.

إن إلاّكتفاء بإلاّشارة الى "الجنس" في شهر رمضان من باب ان فعله من المفطرات، أيضًا يحفّز للسؤال عن سبب ذكر ذلك من المشرع إلاّول الذي هو خالق الخلق. وجاءت إلاّجوبة حول ما يترتب على ذلك من غـُسل قبل الفجر او إتمام صوم المُحتلم نهاراً إذا بادر فور صحوته للقيام بما يتوجب عليه من التطهر... الى ما هنالك من أحكام، لتصاحب مثل هذه إلاّسئلة. مع العلم ان كبار العلماء والفقهاء يُسعدون لو جاءهم سائل بسؤال يشرح الحالة النفسية في هذا الموضوع وليس فقط الحالة المادية في الفعل الممارس والحكم الشرعي منها، لأنهم يعتبرون ان مسؤوليتهم الرعوية تفرض عليهم تقديم العون في كل مجال وإلاّجابة عن أي سؤال.

****

يطرق محدثي رأسه في انحناءة تعني الكثير من الحيرة بأن هناك أمور كثيرة في حياتنا يصعب التطرق إليها والتحدث بها، لكنها في الواقع تأخذ حيزاً من تفكيرنا.. فيقول " اكتشفت مؤخرا انني كنت اتسبب لزوجتي بحال من إلاّمتعاض النفسي أو اذا شئت سمّها شيء من الحرج النفسي كوننا أبناء بيئة اجتماعية يمنع فيها حياء إلاّنثى من ان تبادر الى ملاقات زوجها.. ولكن برغم انها تبدي بعض التحرشات، كنت أتهرب منها لأنني كنت منشغلاً بقراءة الدعاء وبالصلاة.. وكنت على قناعة بأنه عليّ ان استغل هذا الشهر لأجل العبادة..".

كنت أصغي إليه بانتباه محاولاً استطلاع خاتمة كلامه من سياق حديثه.. وانتظر الوصول الى المشكلة بعد هذا العرض الذي يندرج على لسانه متلعثماً حيناً ومنطلقاً أحياناً، حين يحاول تبرير تصرفه.

يسترسل: " لم تكن تبدي أمامي أي ردّ فعل يسيء لما أقوم به، بل تنصرف الى عمل مشابه كصلاة أو قراءة دعاء.. إلى أن فوجئت يوما ـ وأنا اتحدث عن السنة الماضية يقول محدثي ـ حين قامت الى المطبخ وتبعتها بقصد شرب الماء، لأجدها تغص بالبكاء وما أن لمحتني حتى سارعت لمسح دموعها والتفـّت حول نفسها لتخرج.. أمسكتها مستطلعاً ما بها.. لم تجبني ولم أفهم سبباً لما كان بكائها..؟!.. وكنا حينها في منتصف شهر رمضان.. إلى اسبوع بعده، لمحتها بذات المشهد بعدما كنت أحاول طوال المدة الماضية أن اراقب تحركاتها وتصرفاتها.. فلم أجد منها إلاّ كل احترام وتقبل أي ملاحظة دون تبرّم، نحن بالمناسبة لم يمض على زواجنا أكثر من سنة ولم نرزق بعد بأولاد...

ويكمل حكايته ليُقرّ فيما بعد بأن ما كانت تعانيه زوجته هو إهماله لها وتنحّيه عنها وانصرافه لشؤون عبادية لم يكن لزوجته من حيلة في صرفه عما يفعل استسلاماً منها لأمر عبادي..

يعترف انه حين علم بمكنون زوجته أكبر فيها تفهّمها وصبرها، واعترف بأن ما تحتاجه النفس هو حق لها أباحه الله كي لا يكون من حجة للهروب والتبرّم من شهر رمضان.

قال محدثي عرفت ما كان يجري حين واجهتني هذه السنة بالقول : "الله يعينني على شهر رمضان.. كنت أحبه.. لكن صراحة لم اعد أطيقه.." واستغفرت ربها بعد قولها هذا، لكن ما كان يعتمل بالنفس كان أقرب الى البوح به على اللسان، وما كان يشغلني وأهمّني هو أنني كنت سبباً في إنكار شوق نفس زوجتي وحبها لشهر رمضان.. بل حتى تكدرها النفسي من قدومه..وكم لمت نفسي على هذا..؟!

****

إن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في شهر رمضان هي ذاتها بغير شهر رمضان سوى أنها محرّمة في أثناء الصوم كفعل وممارسة، بقوله تعالى" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَإلاّنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ إلاّبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ إلاّسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " ( 187: البقرة).

فلو تعمقنا في سياق لغة إلاّية لعرفنا انها تتضمن دعوة إلاّتيان بذلك وإلاّقدام عليه، لأنها جاءت بلغة " البشارة" أيها الصائمون العابدون انتبهوا، هذا الشهر لا يمنعكم من فعل ما تفعلوه في أيامكم العادية خارج هذا الشهر بل اقدموا عليه بحرية وراحة ما خلا ساعات صومكم وما يوجب إفطاركم أو فساد صومكم.. وبعد إلاّفطار لكم الحياة وخاصة العلاقات الزوجية، بكل مباهجها ولا حرام فيها عليكم. ولا يكون اعتزال للنساء إلاّ في حالين: الحيض والنفاس.

من هنا أن مضمون إلاّية يحمل معنى انسانياً كبيراً وهو عدم انقطاع حبل الودّ بين الزوجين لأن إلاّيات القرآنية يصدق بعضها بعضاً كما في قوله تعالى: "إنما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" (البقرة: 185) . وحين نقرأ "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " وجدنا انها تكمل ما سبقها وتعلّل إلاّسباب وتستجيب الى طبيعة إلاّنسان بما يحمله من انفعإلاّت أو ردود أفعال لما خلق الله فيه من طبائع وغرائز وإرادات.

اذن المودّة من مقدمات العلاقة إلاّنسانية السليمة بين الذكر وإلاّنثى. أيضا هي عنوان من عناوين الحب والحفاظ عليه وتناميه وقدعبَّر الله عنه بكلمات المودة ليبين بأن التجاذبات الكلامية العاطفية تسلك فيها اليد والكلمة طريقهما الى الشريك بمداعبة لطيفة او "طبطبة" كما تسميها الدكتورة هبة قطب. وهذه كلها تخلق مناخاً نفسياً يهيء الجسد بانفعإلاّته الى فرصة اللقاء في الوقت المناسب.

الشرط في الصوم عدم المبالغة في تبادل النداءات العاطفية من قبل كلا الزوجين مع إلاّخر، ربما يكون في حال الصوم تخفيفاً لوطأة ما يشعره الصائم من وهن وثقل الوقت عليه إذ يتأثر بالجوع أو العطش، فلحظات مرح وتبادل كلمات أو "قرصات" كما نسميها بلغتنا الدارجة، قد يكسر من حدة الوقت وثقل دقائقه، إضافة الى أن كل هذا يهيء إلاّجواء الى لحظة حميمية تجمعهما بعد إلاّفطار لترجمة كل ما مرّ من همس وغمز ولمس الى واقع يدعم روح إلاّلفة والحب بينهما.

تخطىء الزوجة أو الزوج، إذا فكّرا بأن اإمتناعهما عن العلاقة الجنسية بينهما أمر فيه تقوى أو عمل متمم للصوم لجهة إلاّجر والثواب، بل إن حرمان أي من الشريكين من أمر يرغبه في نفسه بذريعة الصوم او التعبُّد، ربما فيه إشكال كبير، قد يترتب عليه ظلم يكره الله ان يتسبب لعباده فيه.

إلاّنسان من الناحية المادية مركب عضوي ومزيج من مركبات كيميائية عضوية إحيائية لها حركتها وردود افعالها، فهناك أجساد تملك طاقة جنسية تتحرك بصورة دائمة وتطلب المزيد من الشريك، كما هناك العكس، ولأجل هذا جاء في التفاسير، ان المسلمين، قبل تشريع الصوم، كانو يصومون مباشرة بعد صلاة العشاء في كل يوم من شهر رمضان، فكان أصحاب الطاقة المتطلبة يخونون انفسهم بمعنى ان يجعلو انفسهم في حالة من النوم واليقظة فيقضون حاجتهم مع الشريك، أضف إلى ذلك موضوع التوقيت في إلاّمتناع عن الطعام والشراب.. وهذا ظلم كبير للنفس التي احترمها الله وكرّمها.. الى أن نزلت إلاّية "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ " واتبع ذلك في نفس إلاّية " وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ إلاّبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ إلاّسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ". حدد هنا الله سبحانه وتعالى أوقاتاً كان الناس بحاجة إليها لأسباب عدة في قضاء حوائجهم وسبل معايشهم.

في محاضرة للدكتورة هبة قطب استاذة الطب الجنسي والشرعي في جامعة القاهرة ، طالبت فيها إلاّزواج بعدم إلاّنقطاع عن زوجاتهم والزوجات عن ازواجهن.وذهبت الى أبعد من ذلك، فتقول إن العلاقة الجنسية بين الزوجين مستحبة في شهر رمضان في الفترة ما بين المغرب والفجر، كي لا ينقطع الود بينهما طوال شهر رمضان بحجة صيام نهاره وقيام ليله.

من هنا نفهم ونقرأ الفتاوى الصادرة حول هذا إلاّمر. وإلاّ ما معنى التطهر والغسل، أليس بذلك إشارة الى جواز الفعل.؟

تبيّن الدكتورة هبة قطب، غلط إلاّمتناع لتبدي خشيتها ـ تماما كما حصل في الرواية التي ذكرناها أعلاه ـ من ان لذلك رد فعل عكسي ، فبدلاً من أن نترقب قدوم شهر رمضان، نتحول في أنفسنا الى إلاّنصراف والنفور والتأفف من موانعه، ونبدأ نضخم هذه الموانع ونستعضمها في حين ان الله يريد لنا اليسر ولا يريد بنا العسر. وما أنزل ما أنزل من البيّنات في القرآن إلاّ لعلمه ان النفس حين تتوق لأمر من حقها نيله، مثل العلاقة بين الزوجين، كي لا نعيش في دوامة حالة ذهنية معاكسة للمنطق لأن النفس يمكن ان تولّد رد فعل لا إرادي لحاجة بيولوجية اوفيزيولوجية يصعب حصر انبعاثها وأسباب وجودها.

الزوجة المحبة لزوجها العاشقة له تشعر بحاجتها الى لقائه مجرد ان تراه يتحرك أمامها بإلاّناقة التي ترغبها فيه أو حين تشم عطره أو تراه وهو يبدل ثيابه. وكذلك الزوج خاصة إذا كانت فترة تواجده في البيت في شهر رمضان أكثر من تواجده في إلاّيام العادية وتتاح له فرصة تحرك زوجته أمامه في البيت على غير ما تعوّد ان يراها، خاصة وان واقع الصيام يوهن الحركة فيتثاقل الصائم بمشيه وحركته، فكيف اذا كان هذا مترافقا مع حركة انثوية غانجة، فهذا قد يشعره بالرغبة فيها اكثر.

إن اي ايماءة في هذه الحال لو رافقتها كلمة طيبة او لمسة محدودة او "طبطبة" ضمن المعقول، لا شك تهيء إلاّجواء لفترة المساء بمزيد من حميمية اللقاء حين يستذكران كل ما مرّ بينهما في النهار.

وهكذا.. أيما شعور بالسرور سيكون وأي متعة بلحظة حميمية ستكون..هذا إلاّمر لا شك يحبب لشهر رمضان لا ينفـّر منه.. فكلاهما يسعد في سره حين قدوم هذا الشهر لانه سوف يستذكر ما كان يفعله مع شريكه اثناء الصوم وبعد إلاّفطار.. حتى من ظن أنّ الزمان حمله الى أيام الشيخوخة والكِبر سوف يجد في لحظات انه يتذكر ما كان يرسله من إشارات الى زوجته وهي ستتذكر معه ويضحكان بشعور من السعادة.

اذن ليكن شهر رمضان فرصة لترميم العلاقة اذا كان يصيبها فتوربين بعضنا تماماً كما نرمّم علاقتنا مع الله من إلاّخطاء وبعض الصغائر من أهواء النفس، لا فرصة يدفع بها الشريك شريكه نحو إلاّبتعاد عنه والذريعة انه يتعبّد.. هذا لا يلغي هذا.. بل التوادد له حسناته مع ذوي القربى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى