الثلاثاء ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
أدونيس غير مؤمن بالوظيفة الرّوحيّة للدين

المكرّسون وجنود الخفاء : أيّهم الأوفر حظّا؟

المنجي السعيداني

ككلّ عام، يبدأ العد التنازلي، في مثل هذا التّاريخ، للإعلان عن جائزة نوبل للآداب، وكلّ عام، تتداول الألسن ووكالات الأنباء العالميّة وبصورة أولية أسماء تبدو جديرة بنيل هذه الجائزة (تبلغ قيمتها عشرة ملايين كرونة سويدية أي ما يعادل 1.3 مليون دولار)، يتمّ الإعلان عنها في الخميس 11 تشرين 2007.

وتحوم التكهنات هذه المرة حول العالم الروائي الايطالي وكاتب المقال الأدبي كلوديو ماجريس الذي يأتي على رأس المرشحين للفوز بالجائزة يليه الشاعر الاسترالي ليز موري والروائي الأميركي فيليب روث ويأتي الشاعر السويدي توماس ترانسترومر في المركز الرابع بالقائمة التي يحتل فيها الشاعر اللبناني السوري الأصل أدونيس المركز الخامس. وباستثناء موري فجميعهم كانوا مرشحين للفوز في السنوات الماضية.

في العام الماضي، فاز بها الرّوائيّ التّركيّ أورهان باموك وكان فوزه ذاك متوقّعا من قبل النّقّاد وصحافة الغرب وزوّار المواقع الألكترونيّة باعتباره كان أكثر كتّاب تركيا إثارة للجدل في الأوساط الثّقافيّة والسّياسيّة في بلاده وهو العام الّذي تمّ فيه أيضا، وككلّ عام، ترشيح كلّ من الشّاعر السّوريّ أدونيس والشّاعر الفلسطينيّ محمود درويش والرّوائيّة الجزائريّة آسيا جبّار و مئات آخرين من شتّى أصقاع العالم.

نينار وحوارات مع أدونيس، والدها

في هذا السّياق، لوحظ أنه بات لبعض أدبائنا أكثر من تخطيط وتحرّك لتسويق نفسه لدى الجهات ذات النّظر، من حملات إعلاميّة مكثّفة في الغرب، إلى غير ذلك ، كتأمين التّرجمات وحضور المناسبات.

ولعلّ أدونيس كان أكثرهم مبادرة، فبعد تطوافه العربيّ كتابة وتنظيرا، رأى أنّ المناسبة سانحة لمغازلة الآخر في "عقر بيته" ، قصد التّواصل مع رموزه الفاعلة، على نحو لافت، جعله يعمل، وهو يعي ما يفعل ، بمقولة ابن عربي " المكان الّذي لا يؤنّث، لا يعوّل عليه"، حيث أعطى الإشارة لابنته نينار أسبر حتّى "تسوّقه" لدى الآخر، بلغة أراغون، عبر حلقات حواريّة ، حميمة جدّا سلّط فيها أدونيس الضّوء على ما يمكن أن يكون لافتا للنظر كعلاقته بالإسلام، بالكتابة الشّعريّة، بسوريا مسقط رأسه، بلبنان حيث عاش إلى حدود اندلاع الحرب... سألته أيضا عن الحجاب، عن التّوحيد، عن العقائد الدّينيّة، عن الإرهاب، عن الهويّة شرقا وغربا، الأحكام المسبّقة إزاء الجنس، في المجتمع..وهي حوارات ، كما قيّمها الغرب، موجّهة إلى المجتمع الدّوليّ وساسته.

جاء على لسان مدير أحد اللقاءات التكريميّة الخاصة بأدونيس، في شهر آذار، بمكتبة المثلّث، سورامبس بفرنسا، بمناسبة صدور "حوارات مع أدونيس، والدي"، أنّ أدونيس، حسب طرحه هذا،

عدائيّ جدّا لكلّ ما هو تعبئة دينيّة، ولكلّ ما هو تزمّت عموما، فهو غير مؤمن وبالوظيفة الرّوحيّة للدين خصوصا، إنّه يتحدّث ببساطة عن الجنسانيّة، عن الزّواج، عن الوفاء، عن الصداقة، عن المتعة والملذّات وأنّ هذه الحوارات، يضيف المتحدث الفرنسيّ، قد أجرتها نينار أسبر، امرأة جريئة وصادقة وهي نفسها تنتقد بشدّة الطّريقة الّتي بها ينظر إلى النّساء في بلادها وبالتالي، فإنّ المعلّق الفرنسيّ يرى في سياسة أدونيس " أكثر من درس في الحرّيّة.

نفس العمل الدّعائيّ نجده مجسّدا بالسويدية في موقع ألكترونيّ يحمل عنوان" الهمبرا" ، حيث تعرض فيه، على نحو لافت، مؤلّفات أدونيس المترجمة كالكتاب ومهيار الدمشقي وغيرهما ، إلى جانب مؤّلفات أخرى ، لعلّها أدرجت من باب تعويم "أنا أدونيس المركزيّة"، لكلّ من جبران خليل جبران، آسيا جبار، محمود درويش، فرانك هللر، إبراهيم الكوني، صنع الله إبراهيم، نجيب محفوظ، الطيب صالح، وآخرين ويبدو أدونيس في صدارة الموقع مع صغيرته نينار في صورة ملتقطة ببيروت سنة 1970 بصدد تشذيب شعرها والغليون بين شفتيه.
إنّه الخطاب الأدونيسيّ المبيّت بامتياز فهل يفضي به إلى حيث هو ساع، إلى نوبل تحديدا؟

جنود الخفاء

هذه الجائزة الّتي منحت، عربيّا، للروائي المصري نجيب محفوظ (1988) تثير، مطلع كلّ خريف، هنا أو هناك
عاصفة من التّوقّعات حول عديد الأسماء الأدبيّة المكرّسة إعلاميّا في بلدانها أو في غير بلدانها وغالبا ما تخيب كلّ هذه التّوقّعات ليكون الفائز ، خارج دائرة التّخمين وأفق الانتظار، أحد الجديرين بها من النّكرات، على خلفيّة أنّ للأكاديميّة السّويديّة آليّتها المستحكمة في هذا السّياق، تسوّغ بموجبها فوز من ترى في آثاره المترجمة أو في سيرته الذّائعة، ملامح خصوصيّة محلّية تميّزه عن سائر المترشّحين أو قد يكون لها، في الآن نفسه، رأي تحتكم فيه للسّائد السّياسي الّذي قد يحفّ بالمترشّح أو بمحيطه.

أسماء كبيرة تداولتها الألسن ولا تزال، وهي ترشّحها لنيل هذه الجائزة، لعلّ أكثرها تواترا ميلان كونديرا، ماريو فارغاس يوسّا، إسماعيل قدري، فيليب روث، أرنستو كاردينال، نور الدين فارح، الطّاهر بن جلّون إلى غير ذلك من الأسماء الّتي تبدو جديرة في الواقع بالتّتويج لكنّ لنوبل منطقها الخاصّ.

كما أنّ هناك أسماء كثيرة لا تتداولها ، على أهمّيتها، الألسن، في بلدانها، لتكتّم أصحابها أو لأسباب أخرى، وهي مع ذلك، قد تكون لدى هوراس أنغدال وزملائه المحكّمين، أوفر حظّا وتميّزا من بعض أسماء شائعة ومكرّسة.

من الأسماء العربيّة الّتي تعمل في صمت و شقّت طريقها إلى "الآخر"، ومن ثمّ إلى مرصد نوبل، في غفلة من كلّ الأعين والأسماع ، نجد الروائي الليبي إبراهيم الكوني الّذي نال جائزة الدولة الاستثنائية الكبرى التي تمنحها سويسرا ، عن مجمل أعماله الروائية المترجمة إلى الألمانية إلى جانب اختياره من طرف مجلة "لير" الفرنسية من بين خمسين روائياً من العالم اعتبرتهم يمثلون اليوم "أدب القرن الحادي والعشرين"، والرّوائيّ السّوري حنا مينا الذي عاش طفولته في حي "المستنقع" وعانى ما عانى ليكتب ما يكتب:"المصابيح الزرق"و"حكاية بحار" و"الشراع والعاصفة" و"الياطر" و"الأبنوسة البيضاء" و"نهاية رجل شجاع"، والشّاعرالكردي ، ابن قامشلي سليم بركات الذي تعكس أعماله شخصية أدبية فريدة، تقطع أشواطا في عالم إبداعي لم يعتد عليه قرّآء الأدب المكتوب باللغة العربية، وهو إلى ذلك، مترجم إلى عديد اللّغات منها السويدية حيث ترجم له فيها ماتز روك "الرّيش" و"الجندب الحديديّ" وهاته عاليا، هات النفير إلى آخره" و"الفريسة وأدوار الممالك" وكذلك مواطنه شيركو بيكه س الذي تعبق كتاباته برائحة الشرق البعيد، فهو شاعر شرقي بامتياز، والشرق هنا كما في رأي بعض النّقاد المتابعين لتجربته، هو الزمان الغامض والسري الذي تمتد تلافيفه في ذاكرة الحكايا، حيث كل شيء تسكنه أرواح القصص وتدب فيه حياة غير مرئية، ومن مصر، نجد الرّوائيّ جمال الغيطاني، صاحب " الزيني بركات" و"التجليات" والذي تتميّز حياته الأدبيّة بالثراء جعلته يحظى بالاهتمام، عربيّا وعالميّا، حاصدا لعديد الجوائز الهامّة، ومن الجزائر، نجد الرّوائي الطّاهر وطّار، القادم من بيئة ريفية وأسرة بربرية وصاحب "اللاز" و"الزلزال" وعديد الرّوايات الأخرى المترجمة ، إلى جانب مآثره في مجال النّضال السياسيّ، الملتزم ، ومن لبنان، نجد الرّوائيّ إلياس خوري الّذي ألّف العديد من الروايات الفارقة ، آخرها "يالو" وقبلها "باب الشمس"، ملحمة عن خروج الفلسطينيين من أرضهم ومن تونس، نجد الشّاعر يوسف رزوقة الّذي تزخر مسيرته الشّعريّة بتجارب جريئة تضمّنتها مؤلّفاته سواء بالعربيّة، لغته الأمّ أو بالفرنسيّة والإسبانيّة، ومن المغرب، نجد الشّاعر محمّد بنّيس الذي تلازمت كتاباته الشعرية مع اهتماماته التنظيرية للشعر العربي ومن البحرين، نجد الشاعر قاسم حدّاد، المترجم إلى عديد اللّغات والذي يثابر على نهج له مخصوص في كتابة قصيدة متمرّدة على محيطه السّائد ومن العراق، نجد الشاعرين سعدي يوسف، أحد أهمّ روّاد الشّعر العربيّ الحديث بمشروعه الإبداعيّ القائل بقصيدة التّفاصيل والراهن ومواطنه عدنان الصّائغ الّذي انفتح من منفاه على الآخر عبر شعره المترجم في أكثر من لغة وما يتضمّنه من قلق عاصف هو وليد سفره الدائم في المكان ومن الأردن، نجد الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله الذي يراوح في كتاباته بين الشعر والسرد، بين الزمان والمكان، منتصرا لذاكرة الإنسان في مواجهة النّسيان.

فهل نفاجأ، كما فوجئنا من قبل، بواحد من هؤلاء المبدعين وغيرهم من "جنود الخفاء" في العالم، المرشّحين في الخفاء لهذه الجائزة البعيدة، القريبة والتي عادة ما تخاتل كلّ التوقّعات والمكرّس من رموز الأدب العالميّ لتذهب رأسا، على طبق من ذهب إلى من يستحقّها؟

المنجي السعيداني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى