الاثنين ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم يسري عبد الله

(حوري) بين منحى الاستنارة وتقنيات النص

لايصنع الكاتب المسرحي نصه الدرامي في فراغ، بل يصنعه في حيز مكاني، تخلقه مخيلته، وتسهم فيه – وبشكل فاعل – السياقات الزمكانية المحيطة، ورؤيته لخشبة المسرح، وتقسيماته لها؛ وفي مسرحية (حوري) تبدوثمة إحالة يشير إليها العنوان اللافت للنص الدرامي، والذي يحيلنا إما إلى الإله (حوريس) أوالقائد (حور: "حور محب") والذي لم يكن فرعوناً تقليدياً، ينحدر من سلالة الفراعنة، بل كان أول من وصل إلى سدة الحكم من بين جموع الشعب، حيث عمل قائداً للجيوش في عهد توت عنخ آمون، بقدر ما ترويه موسوعة (تاريخ مصر) لأحمد حسين والصادرة عن دار الشعب. إذن لم نكن بإزاء إحالة مجانية قدر ما كانت إشارة ذكية إلى الشخصية المركزية داخل هذا النص الدرامي والمكون من أربعة مناظر (مقسمة بدورها إلى أحد عشر مشهدا)؛ ويشير مصطلح (المنظر) إلى الدلالة الديكورية، حيث ثمة انتقالات مكانية وموضوعاتية متعددة تتم داخل المسرحية.

قبل المشهد الافتتاحي يهدي الكاتب نصه إلى (حابي) إله النيل، هذا الإهداء الذي مثل جزءاً من الرؤية الفنية للكاتب، وفي المشهد الافتتاحي، يبدولنا وعي الكاتب (محمد الحسيني) بآليات الكتابة المسرحية وطرائقها، حيث تبدولنا قدرته على إقامة حياة يمكن حدوثها على الخشبة، ومن ثم نصبح بإزاء إمكانية واعدة لعرض مسرحي جيد حيث تعمل التوصيفات المصنوعة من قبل الكاتب والمحددة لأماكنه المركزية على الخشبة وكذلك إرشاداته المسرحية على تخليق الصيغة المرادة للمسرح (الآن / هنا)، والتي تمنح هذا الفن سماته المغايرة، وخصوصيته المائزة.

تبدأ الافتتاحية بدخول (الفرعون) احتفال زفاف النيل على عروسته فيما عُرف بطقس الوفاء للنيل، وهوعلى أية حال طقس إشكالي، حيث نفاه البعض وأثبته البعض الآخر، لكننا هنا بإزاء رؤية تنتصر للاستنارة معتدة بتلك الحضارة المصرية وبإرثها التليد، غير أنها لا تصنع منها صنماً آخر، حيث تضع كل شئ موضع المراجعة الحقيقية (وهذا ما يجسب لكاتب النص).

في المشهد الأول والذي يمثل ما يسمى بالتقديمة الدرامية للمسرحية يقدم الكاتب إشكالية نصه الرئيسية مستعيضاً عن الحوار بالحركة المسرحية، وعن الممارسة الطقوسية بالاحتفال الشعبي، وقد عملت هذه التقديمة الدرامية بوصفها ممهدة للأحداث التالية، والتي تجلت في المشاهد الدرامية المختلفة داخل المسرحية.

في المشهد الثاني نتعرف على شخصية (حوري) الفتى اليافع حاد الذكاء الذي يصفه الكاتب توصيفات دالة، يتجاوز عبرها العادي والمألوف، فهويعرف منطق الطير، مغامر، جسور، ومن ثم يخلق حالة من التعاطف المبكر بينه وبين المتلقي لهذا العمل؛ ونلتقي كذلك بشخصية (نفرو) الجميلة، ابنة الفلاح وأخت (حوري)، والفلاح هنا لم يكن حاملاً لتوصيفات تميزه، حيث أضحى (علامة) على هذا النمط من الشخصيات. و(نفرو) فتاة جميلة وحالمة في آن، حيث لا ترغب في الزواج من أي رجل، فحبيبها فارس مغوار يهزم الفيضان ويصارع المجهول.
يزور الكاهن بيت الفلاح في المشهد الثالث طالباً منه أن يقدم ابنته قرباناً للنيل، وهنا تبدأ الدراما في التوتر، وتلوح بوادر الصراع بين الطرفين، حيث إن الدراما - في بنيتها المركزية - صراع بين إرادات متنافرة.

ثمة أجواء مغايرة تبدوفي (المنظر الثاني) لذا كان استخدام (المنظر) دالا ومعبرا (حسب رأيي)، حيث نجد "منطقة جبلية بها بعض الخضرة. ولكنها خضرة فقيرة. على اليسار تظهر قمة جبلين وبينهما طريق مسدود بصخرة.في الجانب الآخر يظهر مبنى صغير بناؤه من الحجر سقيفته على شكل قبة "؛ وتلوح لنا في هذا المنظر إحدى الشخصيات المركزية في النص (العامل) والذي يرمز إلى قيمة حيوية (العمل) - والتي لها صلة وثيقة بالحياة في مصر الفرعونية - ، ويبدأ النص في أن يأخذ أبعاداً جديدة يمتزج فيها الخيالي بالواقعي، حيث نجد إشارة إلى(قصر المعرفة/ بساط المسافة)...

يقطع (حوري) الطريق بين الجبلين، مختاراً قصر المعرفة وجهته، راكباً بساط المسافة في تخييلات درامية بديعة يقيمها الكاتب، مداعباً بها ذائقة المتلقي الشغوف بالعوالم السحرية من جهة، ومحققاً لنصه قدرا أكبر من الاجتراح والمغامرة من جهة ثانية؛ ويضفي الكاتب على (قصر المعرفة) توصيفات معبرة أبرزها أنه يبدوكالأهرام محاطاً بدائرة، وهوتوصيف لا يخلومن دلالة..

في المنظر الثالث تلوح لنا شخصية (العارف) والذي يشير إلى قيمة (العلم) ممثلا ما يسمى بالشخصية الحافزة أوالمحركة، وهي تلك "الشخصية التي تحدث تغييرا أوتمزقا في الموقف الدرامي الراكد ومن ثم ينشط الفعل في المسرحية".
في المنظر الرابع يستخدم الكاتب تقنية (البناء الدائري)، حيث ثمة إشارة إلى احتفال المصريين بطقس زفاف النيل (المشهد الافتتاحي) ؛ ولكن بعد أن أضحت دمية (العارف) هي العروس المبتغاة؛ لنصبح أمام انتصار دال للعقل في لحظة ظلامية يحاول فيها الكهنة فرض سطوتهم المزعومة: "العقل هوالحقيقة الوحيدة الباقية " .

يشتد الصراع بين الكهنة والفرعون، بل ويصير كل طرف (علامة) على منحى رؤيوي يتناقض مع الآخر ويتجادل معه، فالكهنة (ظلاميون) يتسمون بقمع (الآخر) ومصادرته، والفرعون منتصر(للاستنارة)، محب لشعبه؛ وعبر هذه الثنائيات المتعارضة (الكهنة /الفرعون)، (الظلام /الاستنارة) يتخلق الصراع الدرامى ويزداد توترا.

وبعد... إن (حورى) نص درامي محكم البناء يتسم بمواضعات رؤيوية وجمالية دالة؛ جاعلا من (المسرح) - الشكل الأدبى المعبر بجلاء عن" ديمقراطية الكتابة" - وجهته؛ مستعينا بتقنيات متعددة، وبلغة متسقة مع وعى الشخوص، وإن كانت ترفل – أحيانا - فى مساحة شعرية (حوارات العارف والعامل بخاصة) أظنها ناتجة من الوعى الحاد من قبل (الحسينى / الشاعر) باللغة وطرائقها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى