السبت ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد محمود القاسم

شابة تزوجت مرتين

التقيا في إحدى الدول الأوروبية في إحدى الجامعات، أثناء دراستهما الجامعية لنيل درجة الماجستير، في العلوم الاقتصادية، شخصيته جذابة، قامته طويلة، مثقف، وعلى درجة عالية من الوعي السياسي، ينحدر من أسرة ريفية، يحمل أفكارا يسارية نوعا ما، يؤيد حقوق المرأة بالمساواة مع الرجل واستقلاليتها، لكن أفكاره النظرية هذه، لم توضع على محك الاختبار الفعلي والعملي، دمث الأخلاق، مطيع نسبيا، لم تخدمه الظروف المعيشية كثيرا، كان دخله محدودا، عندما عاد الى ارض الوطن، نسي كل ممارساته، والتصق بأهله كثيرا، والتزم بمفاهيمهم وعقليتهم الريفية المعروفة جيدا، والمتزمتة في أحيان أخرى.
أما هي، فشخصيتها جذابة، وجهها جميل جدا، جسمها متناسق، أنوثتها كبيرة، بحيث تلفت انتباه كل من ينظر إليها، تكسب ود الناس بسهولة كبيرة، في نفس الوقت، تخسرهم بسهولة، نتيجة لغرورها بجمالها الفائق.

ما يزيدها جمالا، كونها متعلمة ومثقفة، لها قدرة كبيرة على الحوار العلمي والسياسي والاجتماعي، حديثها مؤثر في من تجادلهم من الناس، خاصة الإناث منهم، أفكارها متحررة نسبيا، لكن في حدود الأدب المتعارف عليه، وان كانت تنحرف قليلا عن بنات جنسها في تحديها للواقع وقيوده الاجتماعية، رغم ذكاءها المتقد، تتعامل مع المواقف في حينها، تستشف منها، قدرتها العالية على تحمل الصعاب، لا يمكن اعتبارها ربة بيت او زوجة كلاسيكية، تميل للعمل خارج بيتها كثيرا، تحب السيطرة على الآخرين وفرض موقفها عليهم، وأيضا تملك القدرة على التوجيه والقيادة والمبادرة، وفي الوقت نفسه، ليس من السهل قيادتها او التحكم بها وإقناعها بسهولة، وتوجيهها، غرورها بنفسها كبير، كونها جميلة جدا، والكل يهيم بها، ويطمع بالزواج بها، لديها جرأة بالتحدث مع أي شخص دون تحفظ، نظرة الناس إليها في البداية خاطئة غالبا، مع أنها تتصرف ببراءة الأطفال في أحيان كثيرة وعن حسن نية، تقدم لخطبتها الكثير من الشباب والرجال، ممن يحملون أعلى الشهادات العلمية، كشهادات الطب والهندسة وغيرها من الشهادات العالية، قبل سفرها إلى الخارج، للحصول على درجة الماجستير، لم تكن لتقبل بأي احد منهم، رغم ما عرضوه عليها من إغراءات مادية ومعنوية كالفيلا والسيارة والرحلات حول العالم، كانت ترفض كل من تقدم إليها لخطبتها، بحجة أنهم ينظرون إلى جمالها ويطمعون به فقط، ولا يعرفون أفكارها وشخصيتها، وهم بذلك يسعون إليها من اجل التمتع بها والسيطرة عليها.

تعارفا أثناء سنين الدراسة، أصر على خطبتها، حتى قبل ان يستكملا دراستهما وحصولهما على درجة الماجستير، كان يلاحقها يوميا من مكان الى آخر، رغم زجرها له في البداية كثيرا، إلا انه لم يكن ليرتدع منها، وأصر على الزواج منها بأي ثمن، مع أنها لم تطلب منه ثمنا لزواجه منها قط، ما تريده فقط من الشخص الذي يرغب بالزواج منها، ان يكون رجلا، قادرا على بناء نفسه، ويتحمل مسؤولياته الزوجية بكفاءة، يتمتع بشخصيته قوية، ويتفهم شخصيتها المتميزة وأفكارها المستقلة، وصعوبة تقبلها لأي فكرة او أداء عمل، غير مقتنعة به، كانت متقبلة له ولشخصيته بالبداية، خاصة بعد ما كان يطرحه عليها من أفكار وتوضيحات عن شخصيته المتحررة، ودفاعه عن المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل، أقنعها بأنه يلتقي معها في كل أفكارها، ولا يوجد له أي موقف او تحفظ نحوها، ولا يتناقض مع أفكارها ومفاهيمها وأخلاقها وشخصيتها، وبناء على ذلك، وافقت على خطبته لها، تزوجا بالغربة على سنة الله ورسوله، وحضرا الى ارض الوطن، بعد أن انهيا دراستهم الجامعية، وسكن في بيت أهل حماته، كون زوجته لا ترغب بالسكن مع أهله بالريف، في منطقة سكنية خالية من كل أنواع الرفاهية ومظاهر الحياة الاجتماعية، التي تعج بها حياة المدينة، فأهله ما زالوا يخبزون "بالطابون " ويحلبون الأغنام، ويجمعون ثمار الزيتون بأيديهم، وهذا مالا طاقة لها به، كما ان والدتها وحيدة، وترغب بالعيش الى جانبها.

بالبداية، سارت الأمور بشكل طبيعي نوعا ما، أنجبا طفلا واحدا فقط، لكن زوجها كان يرغب ان ينجب منها كل تسعة اشهر طفلا، وقد لا يمانع بأن ينجب منها كل سبعة شهور لو أمكنه ذلك، لكن زوجته رفضت ذلك، ولم تقبل الإنجاب منه بأكثر من طفل واحد فقط، فما كانت تخاف منه وقعت فيه، فزوجها لم يكن ليختلف في تفكيرها عن بقية معظم الرجال الكلاسيكيين، حسب ما اعتقدت، فلم يكن ليفكر بأي شيء سوى جسمها وجمالها، ومتعته الشخصية التي لا تنتهي، دخله لا يكفي مصروفات البيت الأساسية، كانت تحثه على تطوير عمله وتحسين وضعهما المعيشي، لكن دون جدوى، كما ان أفكاره التي يدعي بأنه يؤمن بها قد تغيرت، بعد عودته الى ارض الوطن، عند أهله في قريته.

عملت في أعمال حرة في مؤسسات خاصة، كي تساعده على ظروف الحياة المعيشية الصعبة، إلى أن يتمكن من إيجاد عمل آخر مناسب له، وكانت تضع ابنها في إحدى دور الحضانة، عاشا حياتهما في مشاكل يومية لها أول وليس لها آخر، ذكرته بوعوده وعهوده لها، كان يعترف لها بكل شيء، وانه غير قادر على عمل أي شيء لها، وكان يوعدها وعودا معسولة، دون فعل حقيقي، رغم تدخل أهله وأهلها. بعد ذلك منعته من الاقتراب منها، وهجرته، لحد انه كان يبكي ويرجوها كل الرجاء، أن تعاود العلاقة معه كما يجب، داست على كرامته وأهانت رجولته كثيرا، لم يكن ليأبه، كان ينسى او يتناسى كل ما كان يوجه له من الإهانات، حتى أنها قالت له بأنها لا تعلم بوجود مثل هذا الصنف من الرجال، يقبل بكل هذه الإهانات من زوجته، ويبقى صامتا، طلبت منه الطلاق مرارا، وافق عليه بعد إلحاح شديد، وبعد أن يئس من ذلها وإهاناتها له، واقتنع بأنة لن يستطيع ان ينال منها شيئا دون إرادتها وموافقتها المسبقة، وليدلل على قذارته أكثر، طلب منها قبل ان يطلقها، ان يقضي معها ليلة حمراء، كليلة وداعية، يشبع رغيته الجنسية منها قدر استطاعته، ومن ثم يتركها غير نادم عليه، رفضت طلبه باحتقار شديد، وأخيرا، طلقها، وكانت هذه قصة حياتها مع زوجها الأول، وما أزعجها كيف أنها لم تستطع ان تحدد حياته كما تريد هي، وان ينفذ أوامرها بحذافيرها كما وعدها بذلك قبل زواجهما، رغم ما لديها من وسائل الضغط.

أما قصة حياتها مع زوجها الثاني، فقط اختارته هذه المرة، على ذوقها، كما يختار الزوج زوجته على الطريقة الكلاسيكية، وبشروطه التي يفرضها بالعادة على شريكة حياته، مستفيدة من تجربتها من زواجها الأول، فقد اختارته، وحددت صفاته، على مزاجها، كان شابا، في مقتبل حياته، من أسرة بسيطة، لا يحمل شهادة جامعية، وضعه المادي صعب جدا، لكنه مؤدب ومطيع، ليس لديه تطلعات او طموحات ذات أهمية، في مفهومها، كان رجلا ولا كل الرجال، إذا طلبته وجدته، وإذا انتهت منه انتهى منها حسب رغبتها، من عادته ان لا يتكلم كثيرا، فهو يستمع فقط، ويتلقى الأوامر وينفذها حسب أوامرها، تخطط له، وتنفذ ما خططته له، نيابة عنه، وهو يوافق على كل شيء تصنعه هي، ولكن بموافقته الشكلية وتوقيعه، لم تصدق نفسها بأنها حصلت على زوج ثان بهذه المواصفات، فقد كانت تعتبر نفسها رابحة، لأنها مطلقة، وهي اكبر منه سنا، وتعتقد بأن المطلقات، سمعتهن سيئة دائما، وإلا لما تطلقن، من أزواجهن، هكذا سمعتهن بين الناس، رغم أنها تعتبر نفسها خلاف ذلك، فهي على حق كانت وما زالت، وليست مثلهن سيئة، راتبه لا يكفي مصروفات البيت الأساسية، لذا عملت الى جانبه في أعمال حرة، كعادتها، كي تساعد في مصاريفهما التي لا تتناسب مع دخلهما واحتياجاتهما، أنجبت منه عدة أطفال، دون ان تعطي نفسها وقتا للراحة، حسب رغبته وحبه للإنجاب، وضعت أولاها بالحضانة كي تستطيع العمل، فهي تعلمت من والدتها بأنه " كل ولد وتد " والرجل يرتبط بأولاده، فلا يستطيع ان يلعب بذيله طالما هناك أطفال يرتبطون به، كما أنها تكبره سنا، فتخاف إذا ما امتنعت عن الإنجاب، فقد يطالبها بالإنجاب في وقت لا تستطيع فيه تلبية رغبته بالإنجاب، فقد يضطر بالزواج من واحدة أخرى، بحجة انه يريد المزيد من الأبناء، فهي بذلك تكون قد قطعت عليه الطريق، تعلمت من زواجها الأول كثيرا من الأمور، فهي تعامله أمام الآخرين، بأنه الآمر الناهي بالبيت، وكل شيء يتم من بين يديه، وطلباته مستجابة لا محالة، وتتصرف بكل شيء باسمه، وعندما يحضر تخبره بما فعلت، فهو عليه ان يوافق ولا يستطيع ان يقول " لا "، ولما يقول " لا " وكل شيء متوفر له، وطلباته تلبى كما يريد، ولديه زوجة جميلة جدا، وكل أصدقائه يحسدونه عليها، ويتمنون خطفها منه، وكثيرا ما حاولوا ذلك، ولكنهم فشلوا، كون زوجته في حقيقتها من أسرة شريفة، وذات أدب وخلق كبيرين، وليس لها طموحات كباقي بنات جنسها، بالسيارة والفيلا والرحلات، إلى كافة دول العالم، فهي لو أرادت ذلك، وأرادت ان تكون ربة بيت كلاسيكية، لتزوجت رجلا من ذوي الجاه والمال، ولكنها أرادت ان تصنع حياتها بنفسها، رغم المرارة والألم والمعاناة التي لاقتها وتلاقيها، لأنها تعتقد بذلك، أنها لن تحقق استقلاليتها، ولا احد يتحكم بها، وهي حرة، تفعل ما تريد ضمن حدود الأصول والعرف والتقاليد السائدة بمحيطها.

الكثير من بنات جنسها، يغارون من شخصيتها، ويحسدونها على جمالها، ولكن من يعرفون حقيقة معاناتها، يشفقون عليها ويعاتبونها، ويقولون بأنها هي التي رسمت طريقها بنفسها، وهي التي اختارت طريق المعاناة والألم، فهي رفضت بالسابق، كل ما تقدم لها من الأزواج والإغراءات التي كانوا يحملونها لها، وكان يمكن ان تكون اسعد الزوجات وأغناهم، لو أنها قبلت، بواحد من هؤلاء الأزواج، الذين تقدموا لها في بادئ الأمر، وعندما كان يعاتبها احد من الأقرباء، كانت تقول دوما، " لا تعتب على حبيبك بل اعتب على نصيبك " بمعنى انه لا دخل لها بما حصل، وكل شيء قسمة ونصيب.

ما زالت حياتها لا تخلو من المعاناة اليومية، كونها تقوم بدورين في ان واحد، فهي تقوم بدور الزوجة، في جانب، ودور الزوج في الجانب الآخر، تشعر بقلقها الشديد إذا التقيتها، وتشعر بكثرة شكواها، ولا تستطيع لومها، لأنها هي التي اختارت القيام بهذين الدورين معا، وتحاول تقمص الشخصيتين دوما، وتبرر تقصيرها فيما إذا قصرت في احد الأدوار، وتطمئن نفسها. أحيانا، تتذكر زوجها ودوره، لكنها لا تعتب عليه، وتبرر تقصيره باستمرار، فهي في قرارة نفسها تعلم بان دوره مسلوب، وأنها هي التي سلبت دوره هذا، وراضية بذلك. فلماذا تلومه إذن، ولماذا لا تدافع عن تقصيره ووجوده أمام الناس والأهل، فهي التي لا تعطيه الفرصة ليثبت وجوده كزوج مثل بقية الأزواج، وهو لا يسأل عن دوره المسلوب، طالما يجد من ينوب عنه، في تحمل العبء وينال المديح بدلا من التأنيب، ولكن عندما سألناها هل ستواصل هذا الدور التي تقوم به والى متى ؟ لم ترد، ولكنها كانت مقتنعة بما تقوم به تماما، وحريصة كل الحرص عليه، وتخاف من التقصير أحيانا، خوفا من ان يلومها احد الناس، حتى زوجها، وما زالت تقوم بواجباتها الزوجية كزوجة وكزوج في آن واحد، فهذه هي قصة الزوجة التي تزوجت مرتين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى