الأربعاء ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
مقاربة في قصيدة
بقلم جمال غلاب

النخلة والمجداف ـ للشاعر عزالدين ميهوبي

قصيدة ـ النخلة و المجداف ـ للشاعر عزالدين ميهوبي تعد من القصائد التي استشرفت البعيد، في لجة تفاعلات حركيتنا الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي عرفت الكثير من التسرع و الاضطراب جراء طغيان عليها الارتجالية في الاداء وغياب التخطيط المحكم والجاد لرسم معالم المستقبل الذي بات راهننا المؤلم على أكثر من صعيد في كافة الأقطار العربية و الاسلامية..

لقد بدا منفثها عرافا وسارقا للنار كما يقول ـ الشاعر الفرنسي أرتير رامبو ـ ـ إن الشاعر في رأي هو سارق نار يضيء بها ظلمات التي تغشي علائق الأشياء فيما بينها ـ كما بدا فيها الشاعر مختنقا بحاضره فغاص في لا وعيه لقراءة ما رسم على كف الوطن وما كان يخبئه القدر من تمزق ومواجع و ضاقت به اللغة التي كان يراها أداة انقطاع أكثر منها أداة توصيل و تفاهم و تناغم. فهاجر على دروب المعاني والألوان والصور قصد البحث عن المطلق للتعبير عما لا يعبر عنه.

والحق أنه عند قراءتي للقصيدة للوهلة الأولى اعتقدتها قصيدة عادية تقف عند حدود اللذة والمتعة الشعرية الجميلة التي عادة ما تحفل بها الكثير من القصائد ؟ من الخيال الفني وعذب الكلام. لكن لما غصت في ثناياها وارهاصات رمزيتها الحديثة وجدت الأمر مختلفا وتحتاج الى قراءة جادة لأدق تفاصيلها. وهو ما دفعني الى الاستنجاد بأصحاب نظرية جماليات التلقي / أمثال ـ أمبرتو إ يكو وايزر ياوس ـ بغية الاستفادة و الاستزادة بأدواتهم القرائية التي يختصرونها في القراءة الضمنيةـ المقصد الذي يوصله نشاطه التعاوني أي القارىء الضمني الى أن يستخرج من النص ما لا يقوله النص وانما يفـترضه ويعدنا به وينطوي عليه ويتضمنه وكذا الى ملأء الفضاءات الفارغة و ربط ما يوجد في النص بغيره مما يتناص معه حيث يتولد من هذا النص ويذوب فيه ـ

ان القارىء المتزود بمفاتيح القراءة الضمنية المتمثلة في الافتراض وكذا ملء الفراغات والعملية التوليدية يمكن أن يتيقن تمام التيقن من أن قصيدة ـ النخلة و المجداف ـ اذا لم نوظف بها هذه المفاتيح تبقى بعيدة المنال بخصوص فهمها وصعوبة مطاردة معانيها لاكتشاف أغوارها وتبقى أيضا قراءتنا لها قراءة سطحية وعادية تنتهي بنا الى النهاية المبتذلة وهو ما يعبر عنه بالنهاية السعيدة أو المحزنة أو المفتوحة.

وتوسلا لتحري الدقة والشمولية على تأسيس قراءتنا للقصيدة على نهج التلقي الحديث وتجنبا لأي تيه في زحمة المناهج النقدية الحديثة .

فسوف أتكىء على معايير أحد أقطاب نظرية جماليات التلقيدـ ايزر أوس ـ لأحدد بوضوح الدروب الصعبة التي سلكتها قصيدة ـ النخلة والمجداف ـ عبر مسارات الماضي و الحاضر و المستقبل. وهذه المعايير تتلخص في :ـ أن العلاقة بين النص و القارئ تشتغل بحسب نموذج الأنظمة المنظمة من ذاتها أي أن النص يتجه نحو اخبار المتلقي و المتلقي يفهم محتوى الإخبار على مستوى إدخال معطيات جديدة تساعد على عملية التأويل و اتساع دائرة الفهم وذلك بإتفاق متوافق بين عوامل الاثارة الكامنة في النص ومجموع الأفعال التي يمكن أت تنبثق في القارىء لا على أساس أنها ردود فعل بازاء ما يثيره النص من احساس جمالي.ـ

و على ضوء ما سلف ذكره فان العلاقة مبنية على التواصل المباشر بين النص والمتلقي أو القارىء لكن بالرجوع الى نص القصيدة نجدها تشي بحنين خفي لقائلها فهي بذلك تبدو لنا متماسكة ومترابطة ارتباطا عضويا لمتانة العلاقة و تشابكها بين الشاعر من جهة و بينها و بين القارىء من جهة أخرى. بحيث لا يمكننا فهم القصيدة فهما دقيقا وأشدد على الفهم الدقيق بمنعزل عن الشاعر أو موته كما ينادي به ـ رولان بارث ـ. كما ان القصيدة ـ النخلة و المجداف ـ لا يمكننا استشرافت اسرارها وبلوغ مقصد معانيها بدون تدخل مفاتيح القراءة الضمنية التي عرفناها كما أيضا أن القارىء الضمني مطالب بامتلاكه لزاد معرفي و ثقافي يساعدانه على الولوج الى معاناة البحث والتعليل والدراسة و التحليل و التناص في كل شارة وواردة بالقصيدة التي هي حبلى بالاحتمالات ومن هنا تتأكد ووتقوى لدينا فرضية العلاقة المتعددة بين الشاعر ونص القصيدة والشاعر والمتلقي مما يصبح لزاما علينا تناول هذا الثالوث بالتفصيل .

ماذا يحمل نص القصيدة في مضمونه ؟

ان قصيدة النخلة و المجداف تنطوي على مناسبة لها علاقة و طيدة بتطور مراحل حياة الشاعر الفسيولوجية و السيكولوجية و الفكرية و المناخ العام المحيط بالبلاد و المحيط الدولي فلحظة نفث القصيدة كان الشاعر لا يتجاوز الاثنى و العشرين ربيعا و بالتحديد في سنة الف و تسعمائة وثلاثة وثمانين وفي هذه الفترة عرف المجتمع الجزائري نحولات اجتماعية و ثقافية و اقتصادية و سياسية. ... هذه الحركية تحسس لها الشاعر بعمق وهو ما جعله يعيش حادث اصطدام في عالمه الداخلي ,, الحادث سبب له جملة من المعاناة غذتها عوامل الانحرافات التي سايرت مسيرة واقعنا الوطني المتغير فهو في هذه القصيدة يبدو في حالة صراع بين الرفض و القبول بين زلزال قيم راهنه جراء انقطاع التواصل بين الماضي و المستقبل نتيجة تهلهل و تداعي قيم حاضره و ما قد يستفحل من أزمات على البلاد والعباد و هذه الاستنتاجات بدت و طأتها ثقيلة على جسد النص و تبدو أكثر و ضوحا كلما حاولنا مداعبة النص و مشاكسته و الدخول معه في حوار

لقد بدا الشاعر في هذه القصيدة ـ النخلة و المجداف ـ أوبيرا أسطورية , و ألأوبيرا اللأسطورية كما يعرفها الشاعر المعاصر ـ بيار جون جوف ـ بقوله ـ عمل الفن ممتزجا في الينبوع الا وعي وملاعبا ـ وهواية اللآوعي التي حصلت مع الشاعر و دفعته الى كتابة القصيدة من مخزون ذاكرته التي ستتحول كما سنرى الى ذاكرة مثخنة بالجراح، جراء ما انتاب راهن كتابة القصيدة من تناقضات عنيفة ومتوحشة و هو ما دفع أيضا بالشاعر الى التفتيش عن مرفأ للنجاة عبر رحلة سفره من العقل الواعي الى اللا وعي . و نكاد نتحسس هذا الفرار الى عقله الباطني من خلال و حيه و تصويره لمشاهد مرعبة و مقززة يرسمها في لوحات فنية سريالية بدا فيها عرافا لما قد يحصل مستقبلا ومثل هذه المشاهد المحزنة نصطدم بها في أكثر من مقطع من مقاطع القصيدة و هذه بعث العينات.:

فتشت عواصم هذا الكـــــــــــــــــــون.

لأقرأ كفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي.

كانت مفعمة بالحـــــــــــــــــــــــزن.

وأشياء بلون الخــــــوف القادم من أ زمنـــة

ترفض أزمنة كانـــــــــــــــــــــــــت

فتشت أين يقيم القمـــــــــــــر المكلـــــوم

المنكســـــــــــــــر الأضـــــــــــــــــــــواء

وسنبلة مــــــــــــــــاتــــــــــــــت.

قراءة في كف الوطن :

العلاقة القائمة بين الأدب والحياة كما هو متعارف عليه في الأوساط النقدية هي التجربة البشرية ولكي يكون الأدب نابضا بالحياة فلا بد من أن يعكس تجربة أو مجموعة من التجارب الانسانية التي يعانيها الأديب في حياته أو في حياة من يعايشهم من البشر وهذا يعني أن ضرورة النضج الأدبي غنى التجربة البشرية وإن أكثر الأدباء ابداعا إنما هم الذين أغناهم معاناة للحياة و تجربة للعيش. العنصر الثاني في العلاقة القائمة بين الأدب و الحياة كما تصوره ـ قصيدة النخلة و المجداف ـ عنصر احتمال الوقوع لا الواقع بالذات فليس من الضروري أن تقع التجربة البشرية حقا لتصلح مادة للأدب و انما يكفي أن تكون محتملة الوقوع و بالرجوع الى القصيدة موضوع قراءتنا نجدها حبلى بالاحتمالات وهنا السؤال يطرح نفسه هل يكفي الأديب لأن يصور الواقع حتى ينتج أدبا ذو قيمة ؟ و بعبارة أدق و أوضح هل الادب هو الواقع ؟

الحقيقة التي لا مراء فيها أن الشاعر أجاب عن سؤال من خلال قصيدته بطريقة مباشرة و محددة كرفضه فكرة الواقع هو الحياة بل الحياة عنده أشمل و أوسع من الواقع لأنها مجموعة عناصر مشتملة عن المادي والنفسي والروحي والخيالي لذلك فالشاعر في هذه القصيدة نجده يختار من الواقع ما يصلح مادة للأدب.. ما يصلح لأن يكون فنا والفن كما هو واضح تقريبا في القصيدة يكاد يكون تحويرا للواقع وتجاور للحياة لا الى هو مثالي.

لقد بدا أيضا الشاعر في القصيدة صريحا عند مواجهته مشكلات الحياة وا اقتحامه الأسوار التي تختفي وراءها الآفات و تتستر بها ألأراض الاجتماعية و الميزة الحقيقية للأديب أنه اذا كان مخلصا لفنه و رسالته فلا مفر له من أن يعيش مشكلات مجتمعه , أن يحللها و أن يتعمق فيها وليس معنى ذلك أن يلتمس لها الحلول ويفتش لها على المخارج ان ذلك من مهمة القادة و المصلحين الاجتما عيين.

و في هذه القصيدة ثالثا بدا الشاعر شاهد على ما وقع وهي صفة ينفرد بها الأدباء في مختلف الآداب العالمية وهم الذين تبرز في آثارهم هذه الشهادة في عصورهم ذلك أن هذه الشهادة التي تؤرخ التاريخ الحقيقي للحياة الاجتما عية ولكل مناحي الحياة في فترة من الفترات وهو ما انفراد به الشاعر والشاهد على ذلك :

يا شاهد هذا العصر

الليل تمدد في عيني

وفي صدر يتنهد ليلا موبوءا

لا حلم أضم الآن

ســـــــــــــــواك

ولا حلم سيخرج من جفن يتورم

كطحلب في الاحشاء

وقارعة الصبر

يا شاهد أزمنة الاهواء

هـا جئتك

أهرب من لعنة باب القصر

وأهرب من لعنة هذا العصر

يا شاهد ليلي للبحث عني

مازلت أفتش

عن قارئة الكف

لأرسم خاتمة العمر


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى