السبت ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم عمر حمَّش

تابـــــــوت

رأيته توسط الطريق، صوته ضجّ، شتم وهو يضرب خلفه المدراء العامين، والبطاطا والبامياء، تزاحمت حوله العربات، وسائقنا تمتم ضاربا المقود: (دنيا!!) احتشد الخلق علي الممزق المنفوش، وضربت أنا جبهتي، هذا الوجه فيه بقايا أعرفها، بصق علي العرب واليهود ثم شقّ الشارع كبوق مسعور، فتنحّت العربات، وانفرج الجمع موجتين، صاحبي الذي كان في السجن صار مجنونا، الأنيق أصبح معوّجا كالخارج من القبر، صرخت:

(صاحبي)! فرمقني السائق، ومجاوري ارتجف.

قال السائق فئ المرآة: يومنا معثر.

قلت: أنزلني!

وعدت أركض فوجدت الشارع منتظما، والمارة يمضون، رحت إلي ذات النقطة فلم أجده، أسرعت في التفرعات، جلت في السوق، ثم أسندني حائط لأحملق في الخضار والمشترين، وفهمت أنني ضيعته، لكنه ظلّ في عينيّ يصيح ويشتم مفلوتا، تخيلته يضرب الهواء وجسده، ويرسل عينيه، فدققت ممسكا فيهما، رأيت السجان كوهين يهوي علي ظهره ويصيح (كل كل) ولم تمتد يداه، فمه ظلّ مغلقا، دفع كوهين الطبق بحذائه سابا دينه ولما طار الطبق ولوّن بما فيه الحائط الناعم، أدخل جابر الإنعاش.

بعد أيام ركبت إلي مخيمه، فصدمني حطام بيته، قالوا: (قبل خروجهم هرسوه) عدت خائبا أجرّ ساقين فقدتا ذكورتيهما، وظلّ يلاحقني، يجأر مفجوعا، وأنا ظللت أعود وقررت أن أجده، إلى أن خرج إلىّ من زقاق بيته المهشوم وهو يسحب بخيط رفيع لعبة سوداء على شكل تابوت، توقف قبالتي، حملق في عينيّ طويلا، تأمل فمي الفاغر، ثم تجاوزني، والتابوت يهتزّ، وأنا أسبح في ضباب منغلق، ثم أهوى على حجر من بقايا حجارة بيته المتناثرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى