الخميس ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم عمر حمَّش

حكايه عمران مع لوح الصفيح

عمران:

الدنيا فراش شاحب، والسماء سقف صفيح، وعواصف تزمجر، والسقف يهيج، وميض يضيء السماء والجدران والأولاد، ثم الرعد يقصف فتدوي الزلزلة، انطفأ نور السراج الباهت فارتفعت الأنفاس متوحدة، أطبق على الدنيا بحر الظلمة والمطر الكاسح .

والدنيا أيضا تجلب وجه كوهين، تجعله يأتي ويروح .

 يا عمران سأذهب إلى القطاع.

ارتخت عن المعوّل قبضتا عمران.

 لا تأتى غدا يا عمران.

عاد كوهين عصر ذاك اليوم ومعه آستر.

قرصها في خلفها وقال :

 سأشتاق لآستر يا عمران .

عوت الريح وازداد هياج السقف، لهثت أنفاس الأولاد والزوجة، تمرّد لوح صفيح ووقفت مقدمته في السّماء، واهتزّت لتباطح الريح.

هتفت بجواره:عمران!

تحت اللوح المجنون المتراقص جحظت عيناه، السماء احمرّت ثم عادت كحلاء، هطل الماء مزرابا على الصّدور والعيون،بكى الأولاد ثم تصايحوا، هبّ مطويا، فصدم رأسه الجدار، فتح الباب فاجتاحته الريح، خرج مسرعا في الحوش وسط الطوفان.

كوهين:

كوهين خلف البيت في الزقاق، غطس مع أفراد الدورية في الظلمة وعصف الريح، تلاصقوا في ركن، ورطانتهم ضاعت في الخواء،هنا الأشياء مختلفة، بل هنا نقائض الأشياء، حتى وجه آستر هنا يفر، يأتي في الخوف والبرد ليفرّ، آه يا آستر لو تعلمين، في مخيمهم العجب العجاب،نجرى في النهار، وفى الليل نحرس الريح والظلام، أصبعي دوما على الزناد، الليل هنا فقط يناسبه الرصاص،أتقبلين آن يقتلني عيار، أو يقلع عيني حجر يجرى،أتقبلينني بعين واحدة يا آستر،إذا على أن أحرس رأسي وعينيّ، هنا في غزة لا نفهم يا آستر سوى الإطلاق .

عمران يتسلق سقف الصفيح:

هرول في الحوش فخبّ في الماء، عام فيه، صار صنبور ماء غليظ، قفز فالتقطت يداه حافة الجدار، خطف جسده وأصبح فوق، تأرجح وكاد يهوى، تمالك نفسه وقبض على السقف، وقف في العالي، وصار في وسط الجحيم، عطس وسعل، وصار يعوى، زلة القدم هنا تقطع الحياة، أصبح عمره في علم الظلمة، ولم يدر كيف جاءه وجه كوهين، رآه يحضن آستر ويدخلان بيت الصفيح، قبّلها على أنغام اللوح المجنون، فاصطكت أسنان عمران .

تراقص لوح الصفيح ثقيلا بين ذراعيه، ضربته الريح فطار، لاحقه وتمسك به وشدّد، تيبس في البرد، كان جسما خرافيا شاخصا هناك، قبضت يداه على الحواف وتحت قدميه توزعت حجارة الطوب.

تحكم في اللوح وتيقن من موضع الفراغ، رأى أوكاد زوجته تتكور وتحتضن الأولاد.

انقبضت روحه واجتاحته رغبة عارمة في البصق والسباب، لكنه تجمّد فجأة كالصقيع، وصلته الرّطانة الكريهة، ظلّ شاخصا وحمولته معلقة بين يديه في الفراغ، عاودته الرطانة مع الرياح، تلّمس خطوة حذرة ثم أخرى، كانوا تحته، لم يعرف العدد ولا العدة، فقط عليه أن يفتح أصابعه ويترك اللّوح يهوي، ثم يجنّ، يتحول عفريتا ويطيّر كل حجارة هذا السقف، ثوان ويصنع مجزرة، يجندلهم جماعة ويجعل دمهم في الزقاق يجرى، .. لكن؟ وطافت عيناه في الفجوة؟ أضاءت له الدنيا الوجوه، شاهدها وجها وجها، تأرجح البيت تحت الساقين، وتأرجحت السماء، الدماغ تأرجح، الدنيا لفت به،

فارتخت الذراعان، تقوستا لتضعا اللوح في فراغه، فباغتته عندئذ الطلقات جندلته، فسقط صارخا إلى الداخل فوق زوجته والأولاد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى