السبت ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
مقاربة في رواية
بقلم جمال غلاب

بحر بلا نوارس للروائي جلالي خلاص

خلاصة الخلاصا ت لهذا النص الروائ من منظوري الخاص والبحت " الذي ينـــجح لا يتقدم، والفاشل يرقى، وكل من يحاول التقدم يعاقب ويشرد. انه منطق الفاشلين السائد ولا مكان فيه للناجحين مثل هذا الواقع يمكن اسقاطه على كل المجتمعات العربية ".

متى ماتت النوارس؟. إنهم يسرقون الشمس؟. هدى تحمل من الكاتب؟. القوم يصطا دون جميع النمور والفهود، والذئاب الضارية؟. تلكم هي الرموز التي حفل بها هذا النص الروائي رموز تزين بها النص جماليا وفنيا.

وما يلفت الانتباه في هذا النص للوهلة الأولى. أن كا تبه استعان بخصا ئص، ومميزات لها علاقة وطيدة بالريف الجزائري. وأخرى تتعلق بالروائي نفسه وذاتيته، وهذا لا يعني أنه حصر النص في كتابة سيرته الذاتية. بل الأمر على ما يبدو يتعدى ذلك الى فضاءات حياتية أخرى. فهو يريد من خلال نصه التعبير للقراء يأنه واحد منهم يشترك معهم في الآمال والطموحات.
وبعبارة أدق أراد الروائي ـ جلالي خلاص ـ من خلال نصه الروائي تعريف الجزائري بالآخر من خلال أيضا سفره، في دهاليز الماضي المثقل بالمعاناة، والعودة الى الحاضر عبر تراكمات الذاكرة الشعبية .... هذه الذاكرة التي تبدو في النص الروائي مسيجة بين المنافي والتهميش. ذاكرة نشهد انفجارها في ختام الرواية. ذاكرة تبدوبالتأكيد وكأنها صرخة لمبدع، وصدى لوجع عميق للإعلان عن أزمات ........؟.

ووعيا من الروائي ـ جلالي خلاص ـ في نصه " بحر بلا نوارس ـ بنضج القارىء، واعترافا بقدراته الفكرية على التحليل والتعليل والمقارنة والاستنباط. كونه أنه لم يبق من ذلك الصنف الذي يعتمد على غيره في فهمه للأشياء فهو في عمله الأخير هذا أراد أن يضفي مسحة رمزية على نصه. ومرده في ذلك التناغم والتجانس مع القارىء لركوب قاطرة البحث عن الحقيقة.

والحق أن توظيف العناصر الفنية للمدرسة الرمزية التي مفادها أن الحقيقة لا تبدودائما في صورتها السابقة أي في ظاهرها ولكن عادة ما تتموقع في أعماق الاشياء، وليس بالضرورة تحت سطحها مباشرة، حيث يتم الكشف عن هذه الأعماق بالرمز والايحاء، والتلميح، ومثل هذه القواعد الفنية في نظر رواد المدرسة الرمزية، هي عوامل خلاقة, نولد المعاني في ذهن القارىء, وهوما ساحدثه رواية جلالي خلاص في أوساط القراء من ظهور بصور متباينة.

وتبعا لما سلف ذكره فان النص الروائ لا يخلومن الترميز والايحاء والتلميح فعنوان النص ـ بحر بلا نوارس ـ في حد ذاته يحناج الى أكثر من قراءة . ففي حدود تأملي وتفسيراتي أن النوارس هي مجموعة من الطيور كانت تعيش على الشواطىء الجزائرية تتبع السفن لتقتات من الأكل الذي يرمي به الصيادون اليها.... ومع ذلك يبقى مثل هذا الفهم ومثل هذا التوضيح للنص سطحيا لأن غرض الكاتب على ما يبدو غير ذلك،.

لأن طيور النوارس، وأمكنة تواجدها دلالة على وجود الحياة البشرية ورفاهيتها، كما كانت طيور النوارس توحي الى معلم حضاري، وتطرق الروائي الى الترميز بالطيور للحضارة. مؤداه تفعيل الوخز من لدن الروائي لإيقاظ فينا الذاكرة الراكدة أوجزء من من الذاكرة. كون أنه كانت للجزائر حضارة شرقية يحميها رجال أقوياء من النمور والفهود والذئاب الضارية، ومثل هذه الرموز كان الروائي يوحي بها الى الأطماع الأجنبية للدول الأروبية، وما تركوه من قاذورات بعد رحيلهم.
ـ متى ماتت النوارس؟ يقول الكاتب والتاريخ يجيب ـ ماتت لأنـــها لم تجد ما تقتات به (.؟..)
لقد كانت تتبع سفن الأسطور الجزائري، الذي كان مفخرة لكل من ينتمي الى حضارتنا الشرقية. انجاز حضاري ذهب أدراج الرياح في اقرن التاسع عشر من خلال خطة أعدتها أروبا الصليبية الحاقدة بعد أن استعادت مجدها للإ نتقام من الحضارة الشرقية...والجزائر بسقوط قلاعها الثقافية، والحضارية دشنت عهد الظلام على يد الاستدمار الفرنسي، وعبر لوحات واضخة المعالم في النص الروائي. الكاتب يذاكرته الخصبة يصور لنا تفاصيل المعاناة التي عاشها الفرد الجزائري طيلة هذه الفترة, فترات موجعة ومقززة وقودها الجوع وحرمان والخوف والبرد؟. ومع ذلك يبقى الشعب الجزائري يصارع الى حد التقوقع حول ذاته قصد عدم التعرض لعملية المسخ الفرنسي.... يبقى محافظا على بذرة حضارته الشرقية، وفي الوقت الذي ظننته الأمم انتهى فاذا به يتماسك ويقوم بثورته التحريرية المجيدة مقاوما بذلك المسخ للحفاظ على ذاته.

الكاتب أيضا في هذا النص الروائي يعتبر تحرير البلاد والعباد . واسترجاع السيادة الوطنية بمثابة موقف ثقافي أولا؟ لكن الإ نحراف الذي عرفته مسيرة الدولة الوطنية بسبب عدم توظيفها لهذا الموقف الثقافي دفع بالروائي الى التأسف والى الانسحاب كليا من الرداءة.وقد نستشف مثل هذه الحقيقة في المحطات التالية.

ـ جويلية 1962 أمي توقظني باكرا أخرج الى مراح فناء الدار ـ الحركة تعم كامل أرجاء الدوار، يدخلني احساس غريب وكأن شيئا ما؟ لا أدري أهومهم أم تافه. الكاتب هنا لا يفصح عن احساسه لكنه يتعامل مع الحد ث ببرودة ومرد ذلك الى حدسه القوي لما سيقع فيما بعد من أحداث أثناء بناء الدولة الوطنية التي يعتبرها المثقفون المهمشون امتدادا للثورة التحريرية ـ 1نوفمبر 1954 الى 5جويلية 1962 ـ ويعددها الكاتب في :
ـ الحرب الأهلية على الأبواب، خلاف الولايات، في منتصف تلك الصائفة من سنة 1962 االمفرحة المحزنة... دوي طلقات النارية يعود من جديد لكن هذه المرة بين الأخوة على السلطة.يقول الكاتب ذهب الاستعمار وخلف النار.

ـ 19جوان1965 حواجز الدرك والجيش تملأ الطرقات عودة الرعب الى الجزائريين. هواري بوبدين رحمه الله ينجح في انقلابه على الاطاحة بأول رئيس جزائري بعد الاستقلال الرئيس أحمد بن بلة.

أكتوبر 1967 انقلاب آخر من أجل الانفراد بالسلطة. لكن مهندس ومنفذ الانقلاب ـ الطاهر زبيري ـ يفشل في مهامه. وبفشله يعود السلم مرة أخرى.

ويثير الدهشة الاستغراب أزاء شريط أن الروائي دونه في نصه ولم يعلق على أحداثه الفاجعة. وهي طريقة الرمزيين في التلميح الى الأسباب والمسببات لأزمة التعثر والسقوط .
وحينما يضيق الواقع بالروائي يلجأ الى مخياله والى اطلاق العنان لأحلامه لصنع عالمه الرحب اللا متناهي في فضاءات متعة الآحلام وجملياتها. والأكيد أن الروائي قد وجد ما يتسلى به. إنه حاليا في حالة انتشاء بعد ان وجد ضالته في هدى التي تعني حسب فهمي : الثقافة فمن خلال مداعبة الروائي لهدى، وبعد أن يثير فيها كل الغرائز قصد التجاوب معه وبعد أن يمتص رحيق أصوله الثقافية وكل ما يربطه بهذا الوطن من ذكريات وأحلام منذ أن كان راعيا للغنم والى راهنه المشحون بالويلات والفواجع والهزائم والانكسارات؟.

هدى تكاد تكون الحلقة المفقودة في مسار المسيرة الوطنية لبناء الدولة الوطنية التي حلم بها الشهداء؟ شهداء ولدوا من رحم المعاناة وبنضالاتهم اليائسة ضد العدم وضد الجوع وضد الفقر وضد الموت مارسوا ومع ذلك واجبهم الوطني وبالفعل فقد استجاب لهم القدر وكللت تضحياتهم باسترداد السيادة الوطنية. وعلى الرغم من هذه الانجازات الرائعة مع ذلك الروائي يتعامل مع الحدث ببرودة، ويرجع ذلك في تبريراته الى غياب هدى التي هي رمزية للثقافة والمثقف والانتكاسة التي رافقت مسيرة البناء الذي يرجعه الى اقصاء وتهميش وتغييب المثقف. ومثل هذه الأحداث برأي الروائي لا يدرك أبعادها وعواقبها الا المثقف .

ومثل هذه الشروخ العميقة في ينية تماسك المجتمع واتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم تولد عنه انعدام الثقة. وحسب الروائي دائما أن هذه الهوة فان مجالها لم يبق فارغا بل احتجزته فئات من الأميين والانتهازيين، مستغلة بذلك الظلام الدامس ...فئات استغلت واسترسلت في تحطيم كل المبادرات التي كان اتجاهها اعادة بناء الوطن وتشييده. وخلاصة الخلاصات لهذا الفصل من منظوري " الذي ينجح لا يتقدم، والفاشل يرقى، وكل من يحاول التقدم يعاقب ويشرد. انه منطق الفاشلين السائد ولا مكان فيه للناجحين ".

ويسترسل الروائي في عرض لوحاته بالاستعانة على مخياله فهو يقترح علينا طريقة لحل المعضلة التي نتخبط فيها طريقة يمكن من خلالها القضاء على هذه النمور والفهود والذئاب الضارية، والثعابين عبر قصة ينسجها من مخياله الرائع والجميل. حيث يفيد فيها أن قوما أرادوا أن يعيدوا الحياة الطبيعية الى بلدهم وبعد تفكير ونقاش توصلوا الى الكيفية التي يتم بها استرجاع الشمس. وقد وقع اختيارهم على ضرورة إرسال مبعوث خاص للبحث عن الشمس. حينها تزاحم المتطوعون من مختلف الأعمار.

والقصد من هذا الأمر المتمثل في احضار الشمس هوالكشف عن هذه النمور و..... والثعابين المختفية في الظلام لإ صطيادها لأنه بسببها طاقات البلاد معطلة. وبخصوص الزحمة التي عرفها التنافس على استحضار الشمس فهي رمزية للتعددية السياسية التي عرفتها الجزائر بعد دستور ـ 1989ـ وما قدم من برامج سياسية من الأحزاب وكأن الأزمة التي عرفتها الجزائر سياسية وفقط.

وأثناء عملية الاختيار المبعوث. واذا بإ مرأة تفاجىء القوم . السيدة كانت لا تتجاوز العشرين ربيعا لتخبرهم بأن الشمس بعيدة وقد يتطلب الوصول اليها 80سنة. وهوما يعد أمرا مستحيلا بالنسبة لهم وتضيف السيدة الشابة بأن بنيتها قوية وصلبة ولا شيء يخيفها أويثنيها لا الجبال العالية القمم، ولا الثعابين السامة الأنياب، ولا الحيوانات الوحشية الضارية فضلا عن ذلك فهي حامل.

وبعدها يكشف الروائي أن هذه المرأة هي ـ هدى ـ التي حملت منه، والتي ترمز الى الثقافة أما حملها فترمز به الى جنين المشروع الثقافي. موحيا بذلك الى الأزمة الجزائرية اتي مردها غياب المشروع الثقافي المتكامل الواضح المعالم والذي يتطلب عقودا من السنين لانضاجه فكما يقول المثل الصيني ـ إذا أرد ت أن تخطط لسنة فأزرع القمح، واذا أردت أن تخطط لعشر سنوات فأغرس الأشجار، واذا أ رد ت أن تخطط لمدى الدهر فعلم الشعب ـ... بعد ثمانية أشهر هدى سوف تلد طفلا جميلا... وخلال السنوات السبعين كانت الأم وابنها قد تسلقا آلاف الجبال الشاهقة وقطعا آلآف الوديان والأنهار....الروائي من جهته تزداد نشوته وفرحته بميلاد المشروع الثقافي يقول الروائي ـ أشرقت الشمس على البيلاد كلها باعثة فرحا عارما في أوساط السكان الذين احتفلوا بالحدث العظيم. كانت أياما مشهودة . أيام من أيام الله . استطاع القوم اصطياد جميع النمور والفهود والذئاب الضارية بفضل شروق الشمس.

هكذا حلم الروائي وهكذا تصور الحل. لكن حينما يستيقظ على أحداث راهنه تنفجر ذاكرته لأن بلاده تكون قد قطعت أشواطا بعيدة في حروب أهلية؟. النهاية على ما يبدو مؤلمة والنهاية أيضا على ما يبدو لا تشبه ما عهدناه من نهايات. أهي ترمز الى الخوف من المستقبل؟ أم هي للدلالة على تشرذم المثقفين، وبالتالي يستحيل بناء المشروع الثقافي؟ لماذا اختنق الروائي أهوأيضا للدلالة على اصابة الثقافة بلاختناق؟ ويختم الروائي نصه تاركا سيلا من الأسئلة؟

أخيرا وليس آخرا النص جاء على شكل قطعة رمزية تفنن الروائي في نسجها ورسمها الغاية من النص هوتنبيه الغافلين والضالين . ودعوة من الروائي صادقة للم شمل المثقفين لاستئناف نشر رسالتهم والتي بدونهم لم تشرق الشمس و يعم نورها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى