الخميس ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم عناق مواسي

المهنة: عاطل عن العمل

حالات من الضجر، توتر متواصل، تركيبة اجتماعية غير مستقرة، خوف دائم من فقدان الوظيفة، انحدار نحو انهيار التوازن الاقتصادي وانتظار وعود في إيجاد عمل، ومماطلة في الرد على طلبات العمل، أو استنزاف قوى الانتظار والمنتظرين، إهمال في رفع الطلبات، رائحة البطالة تنتشر في فضاء الملل، طعم المرارة يذوب في حنجرة الندم، فرص قليلة أمام الخريجين، استقلال منزوع المصداقية، خوف مرتبط بفشل، انكسار في شهوة الانتصار.

مسؤولون متنصلون من المسؤولية وفاقدوها، مراكز لا تفيد أحداً، وعود فاغرة فاها، مستقبل يكتنفه الغموض، وشباب يفقدون حماسهم نحو الدافعية والإنتاج في مجتمع متعدد الثقافات آخذ بالتقهقر والتراجع النفسي والاجتماعي، هذه هي الصورة للكثير من أبناء الأقلية العربية في الداخل بأقل درجة ممكنة من التصوير والدقة، حيث تتعطل الحواس وتتعطل وتيرة الانجاز وتختزل مسافات الرحيل.

ليس العمل النهوض في السادسة والذهاب إلى مكان العمل بل انه أكثر من ذلك، أنه حاجة ماسّة تتدفق من نهر الرغبة لتصب في بحر الحياة، حاجة تؤول بنا لانتظار شمس فجر جديد.

إن العمل رغبة متجذرة في أعماق أعضائنا وجوارحنا لان حاجتنا إلى العمل تفوق أي حاجة وتوازي حاجاتنا في الحياة، لان ما على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

فالعاطل عن العمل إنسان عاطل عن الحياة، وليس العمل جهداً فيزيائياً ممغنطاً ومنوطاً إلى عرقٍ يتصببُ من الجبين، بل هو أيضاً عمل فكري قبل كل شيء مع مشاركة وجدانية للتفاعل الجسدي والذهني، عمل حيث تلج به الدافعية بالواقعية والإنشاء.

وعليه، فأنه حاجة تدفعنا لأن نكّون وننتج، وينضوي تحت الإنتاج التجدد الفكري والمعرفي والثقافي وتبادل الخبرات وتجديد علاقاتنا بالإعلام والمعرفة والمعلومات، والتواصل مع حيثيات هذا الزمان.

تبدأ المشكلة مع انتهاء المرحلة الثانوية فالطالب العربي أمام مفترق طرق بين إشارات إكمال الدراسة الجامعية أو التوجه إلى العمل، لكن الفرق أن التوجه إلى العمل منذ البداية يختزل مراحل أكاديمية، ثم تبدأ رحلة التعليم برفقة الكتب والامتحانات وغيرها إلى أن تحين ساعة التخرج، هنا ايضاً مفترق من جديد. ينتظر الخريجون والخريجات فرص عمل فيطاردهم شبح العمل، وان لم تأتِ وهي بالغالب لا تأتي على طبق من ذهب فيزداد عدد العاطلين عن العمل، وليصبحوا خريجين عاطلين عن العمل، مما يسبب أزمة نفسية حادة وتوتر اجتماعي مفرط.

ويفقد الخريجون والخريجات العاطلين عن العمل والعاطلات حرارة الإنتاج، وسرعة الإنتاج لأنهم أصبحوا فريسة سهلة للملل والضجر ويأس المحاولات في اللهث وراء الوظائف الخصوصية والعمومية والحكومية. ولذلك تفشي هذه الظاهرة تبعد أنظار الطلاب الآخرين وبقية المجتمع عن إكمال مشوار التعليم لتحقيق مجتمع واعٍ ومثقف. ويطارد الأفراد وهم البحث عن المادة وتحقيق المكاسب المادية دون اللجوء إلى المضي في سلك التعليم وإكمال المشوار الأكاديمي، وهذا بدون أدنى شك من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تحل بمجتمع برمته، للحياة بأقل مستوى للحياة من اجل الحياة، لأنه لا توجد للحياة أدنى قيمة إن لم نجد شيئاً نناضل من أجله.

وإذا أصبح جل اهتمامنا كأفراد لتوفير لقمة العيش كحد أدنى للحياة، لن نتعدى الدرجة الأولى لسلم ماسلو للاحتياجات الإنسانية، فمعناه أننا في خطر.

أن المقياس الحقيقي للشعوب في مدى إنتاجها الحضاري والفكري والثقافي والتربوي والاجتماعي، ولكي نسعى لتحقيق مجتمع أفضل طامح للوصول إلى مصاف الأمم الراقية المنتجة يجب أن نتطلع إلى الأمام والتزود بالعلم وإيجاد كل الطرق الممكنة للعمل وطرق كل الأبواب الثقافية وغيرها نحو تحقيق ذات فردية وذوات اجتماعية.

نهايةً، لا يمكن الانتظار وعلينا تفهم هذه الحقيقة رغم قساوتها وان نتطلع إلى الأمام ونتكيف مع الظروف المحيطة مع إعادة النظر إلى إمكانية التقدم في أي مجال لاستثمار الدافعية المكبوتة في جيل الشباب الطلائعي لكي نغرس القيم والمبادئ في أرضية خصبة تعود على المجتمع برمته بالإنتاج الوفير، ومحاربة اليأس والتحدي أصبحا جزءاً غير مهمش في التعامل مع مثل هذه القضايا.

وكما قال شكسبير "أن نكون أو أن.. لا نكون، هذه هي المسالة؟؟

السعي وراء العمل قيمة بحد ذاتها، لان السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى