الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد المهدي السقال

الـنـفـق

قلت جادا:

لولا ضرورة السؤال عن تأخر تسوية وضعيتي المادية، لما قادتني قدماي على الكراهة يوما إلى هذه العاصمة اللعينة. واستمررت كعادتي ــ كلما أتيحت لي مناسبة الإفصاح عن غل دفين إزاء طبقتها العلوية ــ في عرض مختصر تاريخي المهني قبل صدمة الإحالة على المعاش، لا أذكر من أين بدأت، لكنني بالتأكيد، سأكون قد حدثت الرجل عن بعض محطات نضال النقابيين الشرفاء، أما الحزبيون الذين لم يعد يعرف بينهم غير السماسرة من اليمين إلى اليسار، فلا أظنني أصبت أحدهم بسهم نميمة أو حسد، شجعني على انطلاق لساني حسن إصغائه من غير مقاطعة في البداية، ثم أخذت في التثاقل حروف الكلمات متوجسة عدم مبالاته، حين طاول بعنقه ما تسمح النافذة العريضة برؤيته، تطلعت مثله في لحظة صمت، كنا قبالة امتداد سكني قصديري لا تشبهه إلا كيطوهات الأدغال في أعماق آسيا أو إفريقيا، تخيلت أن يتجاوز الحوار بيننا سؤالي عن سبب هذه الزيارة، لكنه ظل مطبق الشفتين.

 اقتربنا، سيدخل القطار النفق.

لمحت في الأفق علو هضبة تزينها مصابيح باهتة الصفرة، عرفت أننا سنعرج على مدافن الملوك المطلة على النهر.

 في غبش الفجر تبدو العاصمة كئيبة، حتى الأضواء لا تنجح في اختراق الضباب.

لم يردّ صاحبي على التعليق، رفع بصره كأنه يتحسس رؤية بعض التفاصيل، وجدتني أتابع معه دائرة الفضاء الدامس، تتوسطه لوحات إشهارية عملاقة، تعلن عن أضخم مركب سياحي خليجي في بلادنا السعيدة، انشغلت عن تفاهة الصور الكاذبة، بالتفكير في علة إصرار صاحبي على تحاشي مبادلتي الحديث، لم أجد تفسيرا لتردده، سوى في حجم ذلك الخوف الذي مازال يسكن الواحد منا رغم ادعاءات التحول في خطب أولياء النعمة. التزمت بدوري صمتا أعمق، مشفقا عليه مما تصورته هائما فيه، تذكرت صورة وجهي المكسو بلحية كثة فابتسمت، لعله ليس في ذهنه من الملتحين غير ’’بن لادن’’، إلى اليوم، ما زلت أتساءل كيف لم أنتبه إلى انسحابه قبل خروج القطار من النفق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى