الأربعاء ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد أبو عبيد

امنحونا الحرية يا أولي الفكر

لا فرق بين الاحتلال العسكري للشعوب والاحتلال الفكري للعقول، اللهم إلا أن الاحتلال العسكري هو في العادة جنسية تحتل جنسية سواء من الديانة نفسها أو غيرها، وتكون هناك مقاومة للتحرر من الاحتلال البغيض.

احتلال العقول لدينا هو بمثابة الديكتاتوريات في عصر تنقض الشعوب على آفة الحُكم هذه. كأن الديكتاتوريات هي فقط في اعتلاء سدة الحكم وقهر الإنسان بقوة السلاح !. إن الديكتاتوريات الواضحة والظاهرة هي ليست بمثل بخطورة تلك المبطنة والتي تصبح جزءاً من كريات الدم تسري في الشرايين الآدمية كما لو أنها صحية وسليمة. لعل في واقع الحال الفكري والثقافي أبلغ دليل على هذا التشخيص الذي لا تكفيه بضعة أسطر، لكن (البضعة) تظل أفضل من عدمها.

في مجتمعاتنا هناك من يريدون للعقل العربي أن يظل أسيراً مقموعاً ومضطهداً، وإن حرروه (شكلياً) فإنهم يريدون له أن يكون مثل قدم البنت الصينية التي يضغطها (أولي الأمر) لتبقى صغيرة باعتبار أن القدم الكبيرة من علامات القبح لدى الفتاة عند الصينيين. يبدو أن العقل العربي الكبير هو من علامات القبح لدى الذين تحكي عنهم هذه الأسطر، والذين يعتقدون أن المجتمع الفاضل هو الذي يصغي أفراده فقط لمن نصّبوا أنفسهم (أولي الفكر) علينا، ولا يوظفون ألسنتهم إلا في حالة (الإمّعة) يوافقون على ما يوافق عليه (أولي الفكر) وإن عارضوا يعارضون.

هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم (أولي الفكر) علينا هم من السلالة الديكتاتورية، فلا يرون صواباً في الرأي سوى صواب آرائهم التي يحاولون المنّ بها علينا بطريقة الترغيب الزائف، وإنْ كشَفها الناضجون فكرياً ،أو ناقشوها حضارياً وإنسانياً، سعى (أولي الفكر) لفرضها بالترهيب وبالأدوات المتاحة لأي ديكتاتور، فلا نرى منهم إلا الأحكام المعدّة سلفاً والجاهزة للاستخدام المباشر من قبيل إطلاق الصفات المستقاة من التكفير والهرطقة والزندقة الفكرية، أو الإعجاب بالغرب والدعوة إلى الانحلال الفكري والخُلُقي والتجرد من التعاليم الدينية، والمبادئ الإسلامية، ومن العادات والتقاليد، إلى ما هنالك من السيمفونية التي مللنا سماعها، وباتت ضجيجاً ينزعج منه الضجيج عينه .

مَن يحتل عقولنا هم من أبناء جلدتنا، إنهم يمارسون قمعية الديكتاتور وإرهاب جنده بعد أن اعتلوا سدة الفكر اغتصاباً أو انقلاباً. سجونهم ومعتقلاتهم ليست حديداً قضبانها، إنها الصفات الأشد بأساً وبؤساً من الحديد ومن القيود المعدنية كلها. هي التفكير المنعوت بالتكفير عندهم، هي الحرية الفكرية والسلوكية الفردية التي يرون فيها خروجاً على الدين، وانتهاكاً للعادات ولعنة للتقاليد.

إن من أبقى (أولي الفكر) عندنا في مواقعهم ليس قوة ما يعتقدونه ويؤمنون به، لكنه ضعف المضطهدة عقولهم، أو تلكؤهم وتثاقلهم في إطلاق ثورة فكرية ضد قمع العقل الذي أمسى مثل المازة المرافقة لوجبات الطعام، والواجب تناولها ومضغها والتمتع بنكهتها المريرة. إنهم ليسوا (أولي الفكر)، وإنْ قيل ذلك من باب السخرية والتهكم، لأنهم حقيقة هم طواغيت الفكر.
نحن، أبناء يعرب، محتلون عقلياً. اللهم أبْق ِ الحاء حاءً ولا تجعلها خاءً، آمين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى