الخميس ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم لطيفة اغبارية

الحطيئة فينا !!

شخصية (الحطيئة) الذي لم تشهد الحركة الثقافية منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هجائا بارعا مثله،مع وجود عدد من الأدباء المعاصرين الرائدين في مجال النقد ؛ لم يرحمه لسانه السليط لأن ينتقد ذاته ووضعه ويصف حقده على أهله ومجتمعه فترجم سخطه إلى أشعار خالدة ،أصبح يعييش في الكثير منا ،ولكنه لم يجلد ذاته ،وهذا الفرق بين "حطيئتنا " الشاعر الأصلي ،والحطيئة الذي يعيش في داخلنا دون أن ندركه أو نشعر به ،ونجلده باستمرار ونهجو أنفسنا بعلم ودون علم.

لكن تختلف طريقة هجائنا عن حطيئتنا ،لتتمثل على أرض الواقع بصور وأشكال مختلفة ،لأن الظروف الحياتية والبيئية والأيديولوجية والمعايير اختلفت،فترجمناها إلى قصائد وسيمفونيات هجائية جديدة ،عبر قضايا مختلفة شائكة وعالقة على أرض الواقع متراكمة لا حل لها.
الحطيئة هجا نفسه وذم شكله بأشهر بيت شعري عندما قال:"أرى لي وجها شوه الله خلقه – فقُبح من شكل وقبح حامله" جاء هجائه لذاته ابداعيا مميزا،وإن كان تحقير الذات والسخرية من الشكل ليس من دواعي المفخرة والعزة.

إلا ان كلماته التي عبرت عن ذاته ونفسه والآخرين بقيت بجرأة وحبسه الفاروق عمر رضي الله عنه على أشعاره هذه، لكنه لم يعمل على جلد ذاته وسلخها والغاء شخصيته .

يعيش الحطيئة فينا جلادا وأحيانا مجلودا لشخصه ويتزامن هذا الشعور بالجلد مع كل نكبة أو نكسة لنا مع الفشل في قضايانا العالقة ،وفي شعور الاحباط الذي آلنا إليه على أرض الواقع.

لا نكتفي بمن يهجونا ، فيبدأ بعض الصفوة أو النخبة من رافعي راية الثقافة والعلم ومن العامة أحيانا ، يتحدث ،يتنصل، يخجل أحيانا بأنه عربي من تصرفات العرب،وبعضهم يقول أن العرب يساوون صفرا عديم المكانة والقيمة في منزلة وعداد البشر .
من هذه النظرية والرأي نتسائل قائلين إذا كان رأي بعض الخاصة في العرب صفرا ،فهل دورهم يقتصر على تقييم وتصنيف الانسان العربي إذا كان يساوي صفرا على الشمال او على اليمين ،مع الاحترام الكبير للفيلسوف والرياضي الخوارزمي الذي اخترع الصفر وجعل له مكانة محترمة ومهمة في عالم المادة.

عملية نقد الذات مسألة ثقافية هامة ،لكي نتفهمها وندركها ،يجب أن نبدأ بتشجيعها،غير خائفين من تهمة وعقاب جلد الذات، ،وألا نلق دائما بأسباب فشلنا على الاخرين ،وعلى الشعوب الأخرى، عندما تسيطر علينا الشعور بالدنيوية الذي ساعدنا على التملص من حقيقة فشلنا وانتكاساتنا المتتالية ،فهربنا من هذا الواقع المؤلم خوفا أن نجلد أنفسنا ،فوقعنا ضحية الجلاد!

وأن الانسان الغربي وبفضل ما آل إليه من تطورات تكنولوجية وعلمية ،ونحن لا زلنا متقوقعين في غياهب الجهل والتخلف ،رغم العقول الكثيرة الفذة ،ومن منطلق أمثالنا الشعبية الفلسطينية التي يقول أحدها "أن الافرنجي برنجي" أي أفضل .
حطيئتنا أراد النقد الذاتي عبر الهجاء ،ولم يشأ أن يجلد ذاته،وأن كانت بعض الهجائيات أشد إيلاما من وقع الحسام على الصميم والفؤاد، بدليل أنه لم يلغ ذاته فكتب وكتب مستمرا في طريقه .

لكن التفريق بين النقد الذاتي البناء وجلد الذات أمر مهم،فالنقد البناء الهادف والمتآلف الذي تسوده الروح الرياضية ومعاني الديموقراطية ،هو ما نتوق إليه ،لأنه يرمي إلى تغيير سلوكيات اجتاحت مجتمعاتنا العربية ،وتطوير واقع جديد مثالي في مختلف مناحي الحياة ،اجتماعية،سياسية،ثقافية،و....

أما عملية الندب وجلد الذات فهي وإن كانت ضرورية في بعض الأحيان ،إلا انها يجب ألا تبقى شعارا وراية للهزائم،والضعف والهوان وقلة الحيلة.
الحطيئة الناقد والفعال الذي لا يريد أن يهجو فقط لمجرد الهجاء والذم والانتقام ،بل الحطيئة الفعال الذي ينتقد للتغيير للأفضل فقط ،والذي لا يضع لحرية التعبير والنقد سقفا ،نتمنى أن يبقى يعيش في نفوسنا جميعا ،لنصبو إلى ما نحلم به من مجتمعات وشعوب عربية مثالية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى