الأحد ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

الشاعر أحمد حجازي واستحالة حوار

خلقت قناة الجزيرة مع ظهورها نموذجا علاميا مختلفا، يعتمد على وضع الحقائق والأنباء أولا بأول تحت عيني المشاهد حتى لو تم تفسيرها بعد ذلك من منظور محدد. وأشاعت برامج" الجزيرة " بطرحها القضايا لحوار من وجهات نظر مختلفة حيوية فكرية لم يعرفها من قبل المناخ الإعلامي. وتراجع ما أطلق عليه طويلا الدور الريادي للإعلام المصري في مجال التليفزيون، بحيث أصبحت الغالبية العظمى تتابع الأخبار فقط عبر الجزيرة و العربية وغيرهما.

وقد أدرك التليفزيون المصري أن سر نجاح تلك القنوات هو في الأساس الحرية المتاحة في تناول مختلف القضايا علاوة على المستوى المهني الرفيع الذي تتم به متابعة الأحداث. ولما كانت " الحرية المتاحة " عندنا قليلة، ولا تسمح بإعلام حقيقي مؤثر، فقد اكتفى التليفزيون بشكل الحرية في برامجه مع تغييب مضمونها، كما يكتفى إنسان برقعة شطرنج مع إصدار تعليمات مشددة للبيادق ألا تتقدم بحركة " كش ملك ".

الشكل موجود والوظيفة ممنوعة. هكذا كان الحال في برنامج " حالة حوار " الذي يقدمه عمرو عبد السميع حين استضاف مؤخرا شاعرنا الكبير أحمد حجازي لمحاورة مجموعة من الشباب التليفزيوني المنتخب على الفرازة ! قدم البرنامج ما يبدو أنه " حوار " لكنك حين تدقق النظر تكتشف " استحالة حوار " لا أكثر. الشاعر الكبير يطرق بحرارة مختلف قضايا الثقافة واللغة وأزمات مجتمعنا ويدعو الشباب للقراءة والشعر والتفكير، وعلى الجانب الآخر شباب يطرح أسئلة مدروسة ومحفوظة ومعدة لاعلاقة لها بهموم الشباب من قريب أو بعيد. معروف بالطبع من الذي يتخير تلك العينة الشبابية التلفزيونية ليصدر لها تصريحات بدخول ما سبيرو ! عرض أحمد حجازي لفكرته التي قدمها من قبل في كتابه " ثقافتنا ليست بخير " قائلا إن الثقافة المصرية تمر بأزمة وأنها لم تعرف شاعرا كبيرا جديدا ولا كاتبا مسرحيا عظيما منذ ربع القرن، وأن هويتنا الثقافية واللغوية في خطر، فبرز له شاب قدم نفسه باعتباره عضوا في الحزب الوطني ليسأله عما إن كان حجازي يعني بحديثه أن مصر تغرق ولابد من بروز من ينتشلها ؟!. وأجابه أحمد حجازي بقوله: هل تريد أن تحرجني ؟ نعم مصر تمر بأزمة.

(الحوار) المفترض تحول في واقع الأمر إلي حديث من طرف واحد، أما الشباب التليفزيوني فقد اكتفى بطرح قشور القضايا، دون أن يتطرق أحد إلي مشكلة واحدة حقيقية مثل أسباب انتشار الزواج العرفي بين الشباب الذي بلغت حالاته أكثر من ربع المليون حالة ! لم يتطرق أحد من الشباب التليفزيوني إلي مشكلة البطالة بين الخريجين التي تدفع المئات للهجرة غير الشرعية والموت على شواطئ بلدان أخرى، ولا إلي مشكلة حرية العمل الطلابي في الجامعات، واللائحة الطلابية سيئة الصيت، أوالاعتقالات التي تطال الطلاب، أو آفاق العمل والانتاج وتكوين أسرة المسدودة أمام الشباب. كلا، فالأسئلة كلها منمقة، ومهذبة، وتنزلق على سطح القضايا دون أن تلمس جوهرها. ولهذا بدا حديث الشاعر الكبير أقرب إلي مونولوج طويل حار في قاعة بلا صدى رغم شكل مقاعدها المشغولة، ومع ذلك فقد وصلت رسالة حجازي إلي المشاهدين بفضل حرارته وصدقه وهو ينقلها بحيث بدا أنه الشاب الوحيد في تلك القاعة الممتلئة برجال معاشات يرتدون سراويل وفانلات الشباب!

أما د. عمرو عبد السميع فقد قدم في المحصلة النهائية برنامج " استحالة حوار "، ولا ألومه، لأنه ما من حوار بدون حرية، وما من حوار بدون التطرق للقضايا الجوهرية، ولا أظن أنه مسئول عن وضع تلك السياسة، إنه فقط طرف مشارك في تجسيد تلك السياسة التي يستحيل في ظلها أن يقوم التلفزيون بأي دور، ناهيك عن الدور المسمى ريادي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى