الجمعة ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
إصلاح التربية في الوطن العربي: عودة إلى الأساسيات
بقلم تركي بني خالد

الحلقة الأولى: المعلم أولاً

لا ولن يصلح الحال في العالم العربي إلا بإصلاح التربية بكافة جوانبها وعناصرها الأساسية. وإذا كان لا بد من شعار للمرحلة الراهنة من التردي العام، فإنني أطرح شعار "التربية هي الحل". وإذا قبلنا بهذا الشعار فإنه لا بد من التأكد من صلاح التربية نفسها، فلا يمكن أن تكون التربية وسيلة للإصلاح في الوقت الذي تكون فيه هي نفسها مريضة بحاجة إلى الإصلاح. التربية هي الإعداد للحياة، بل انه يمكن اعتبارها الحياة ذاتها وعالية فإن فساد لتربية هو فساد في كل مناحي الحياة، وصلاح التربية من شأنه صلاح الحياة وجودتها.

لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإصلاح التربوي وعلى مستوى العالم، وبذلت جهود رسمية كبيرة نحو هذا الهدف، لكن لا أحد يعرف مدى نجاح هذه الجهود في تحقيق مرادها. إن مجرد استخدام لفظة "إصلاح" يعني ضمناً الاعتراف بفسادها، فليس من المنطقي محاولة إصلاح ما هو صالح أصلاً.

وإذا اعترفنا بوجود الفساد التربوي فلا بد لنا من العودة إلى المربع رقم واحد، إلى الأساسيات، والعناصر التي تعرضت للتلف والفساد أو الخلل بشكل أو بآخر. ولا بد لنا من طرح العديد من التساؤلات المبدئية من أجل تركيز الاهتمام على القضايا الأساسية.

إن المشكلات العديدة التي تعاني منها المجتمعات العربية في هذا الزمان، هي مظاهر ونتائج لفساد التربية، وأن محاولة حل هذه المشاكل هي كمن يحاول معالجة الأمراض بالأسبرين والمهدئات. فالأصل أن تعالج الأسباب وليس الإعراض، والأصل في الطب الوقاية التي تأتي قبل العلاج وتحتل أهمية أكبر منه.

كيف يمكن إصلاح المجتمعات العربية؟ الجواب من خلال إصلاح الأنظمة التعليمية والتربوية في هذه المجتمعات، في إصلاح المدارس والجامعات والارتقاء بها إلى مستويات تلائم حجم التحديات التي تهددنا بها العولمة ونحن في بداية القرن الواحد والعشرون.

تعاني المجتمعات العربية من الفقر والبطالة والأمراض والجوع وارتفاع نسبة الأمية وخاصة بين النساء، وأمية التكنولوجيا، وتعاني أيضاً من مشكلات الفساد الإداري والمالي بأنواعه، والترهل بأنواعه، والتخلف بأشكاله المتعددة، ويسود العنف في أماكن كثيرة، وتنتشر الأنانية، وتكثر الحروب والخلافات، ويزداد الأغنياء ثراءً، ويزداد الفقراء فقراً، وتتلاشى الطبقة الوسطى إن وجدت أصلاً، وترتفع الأسعار ويعم الغلاء، و....و.... باختصار يعم التخلف رغم تكاثر الجامعات, وانتشار المدارس, وكثرة الفضائيات, ويزداد التلوث بأشكاله، وتكثر الضرائب والرسوم، وينتشر التصحر, وتكثر غابات الإسمنت على حساب الأرض الزراعية، و....و.... رغم جهود وزارات وجهات رسمية كثيرة جعلت من أهدافها المعلنة خدمة الوطن والمواطن.

لا يمكن حصر مشكلات وهموم المواطن العربي في هذا الزمان, وإزاء كل ذلك لا بد من الاستعانة بالتربية، فالمعرفة هي قوة كما قال فرانسيس بيكون قبل قرون, ومعرفة الذات بالأخص هي قوة خاصة كما قال سقراط الفيلسوف الشهير قبل مئات السنين.

المعرفة طاقة ومعرفة الذات طاقة كبرى .. فهل امتلكت الشعوب العربية هذه المعرفة؟ وهل تدرب الإنسان العربي على ممارسة تمارين "اعرف نفسك" وإذا كنا نمتلك شيء من المعرفة، ترى أي نوع من المعرفة الذي ندعي إننا نعرفه؟

لقد أصبح التدريس عملاً مملاً وحرفة طاردة لا يقبل عليها إلا من لا مهنة له، وأتحدى لو سألنا طلاب المدارس: من منكم يود أن يصبح معلماً بعد أن يتخرج؟ ستجد إن الإجابة محزنه.

ما هي أوضاع المعلمين العامة؟ وهل يتمتع المعلمون بالرضى الوظيفي؟ وهل حصلوا على حقوقهم العامة والخاصة في مجتمعاتهم؟ هل هناك دافعية للتعليم؟ هل هناك انتماء لدى المعلمين لمهنتهم؟ هل نلومهم أم نشفق عليهم؟

هل حقاً إن التعليم مهنة؟ أم انه ما زال ينتظر المهننة؟ وهل توازي هذه المهنة في أهميتها المهن الإنسانية الأخرى مثل القانون والطب والصيدلة والهندسة والطيران الخ؟

ترى ما هي حقيقة أوضاع المعلمين من حيث رواتبهم ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية؟

ترى هل لديهم نفوذ في المجتمع؟ هل لديهم كلمة لدى صناع القرار؟ لمن تذهب أصواتهم عند الانتخابات إن وجدت مثل هذه الانتخابات؟ هل يستطيع المعلمون فرض أنفسهم كإحدى منظمات المجتمع المدني؟ هل لديهم منابر للتعبير عن همومهم؟ ما هو وضع جمعياتهم أو نقاباتهم إن وجدت؟

هل يقود المعلمون التغيير المنشود؟ أم يمضون الساعات بتصحيح الأوراق والدفاتر الإمتحانية والواجبات، والتحضير للدروس المملة؟

هل يكتب المعلمون في الصحف والمجلات؟ هل لديهم فكر يسعون لنشره أم هم ممنوعون من مجرد التفكير في ذلك؟

هل يعاني المعلمون من الحرق الجسمي والنفسي بسبب كثرة أعبائهم التدريسية؟ هل بقي لديهم وقت للتأمل والتفكير أم تحولوا إلى أدوات تدريسية؟

هل ما زال المعلمون ورثة الأنبياء؟ إذن أين هو أثرهم الموازي لأثر الأنبياء؟ أين هو التغير الاجتماعي الذي صنعه المعلمون في بلاد العرب؟

هل يسلم المعلمون من عنف الطلبة؟ وهل يشعر المعلمون بالأمان الجسمي أو الوظيفي؟

هل يتواصل المعلمون مع أنفسهم؟ هل لديهم جمعياتهم الأكاديمية المتخصصة؟ هل لديهم مؤتمراتهم وأنديتهم ومجلاتهم العلمية المتخصصة أسوة بالأطباء والمهندسين والصيادلة؟ متى سمعتم عن آخر مؤتمر لمعلمي الرياضيات؟ ومتى ناقش معلموا اللغات مشكلات الكتابة على سبيل المثال؟ هل لدى المعلمون تسلسل مهني وظيفي؟ أم يبقى المعلم معلماً مدى الحياة؟

هل هناك رتب للمعلمين أسوة بباقي المهن؟ هل هناك مساعدين للمعلمين وخدمات مساندة لهم في مكان عملهم أسوة بمساعد الطيار ، ومساعد الصيدلي ... الخ؟

هل لدى المعلمين فرص للنمو المهني والشخصي والأكاديمي؟ أتمنى لو نعرف بشكل علمي عن صورة المعلمين لأنفسهم ولدورهم في المجتمع؟ ترى كيف يرى المعلمون أنفسهم؟ كيف يرون أدوارهم؟ هل يرون أنفسهم كقادة للتغيير، أم عبيداً للمنهاج وأشياء أخرى؟

يقضي المعلمون معظم أوقاتهم داخل غرفة الصف.... فهل يحدث التعلم؟ ماذا يحدث داخل غرفة الصف؟ ومن قال أن التعلم يحدث في غرفة الصف وداخل المدرسة؟ أليس من الممكن أن يحدث معظم التعلم الحقيقي خارج غرفة الصف؟ وخارج المدرسة؟

في زماننا الحاضر، لا يذهب إلى التعليم إلا الفاشلون! ولا تقبل كليات التربية إلا الأقل حظاً، ولا يرغب الالتحاق في مهنة التدريس إلا من عجز عن كل شيئ. قبل مائة عام قال الفيلسوف المسرحي الايرلندي الساخر" أن الذي يقدر، يعمل، وأن الذي لا يقدر، يعلّم"! إن هذه الملاحظة الساخرة المؤلمة المهينة للمعلمين ما زالت ماثلة حتى وقتنا الحاضر؟ الذي يستطيع، يعمل، أما العاجز، فيمارس التعليم!

ما هي صورة المعلم في وسائل الإعلام؟ من منا لم يشاهد مدرسة المشاغبين لعادل امام وعصابته الطلابية؟ هذا التشويه المحزن لصورة المعلم الذي أصبح أضحوكة للجميع؟ يحترق المعلم كالشمعة بصمت، وفي النتيجة نضحك عليه.

كيف يصبح المعلم معلماً؟ من يؤهل المعلم؟ من يعلمه؟ هل مجرد الحصول على مؤهل أكاديمي علمي من جامعة أو كلية ما يعني بالضرورة أن حامل هذا المؤهل أصبح مؤهلاً للتعليم؟ أليس التعليم مجموعة من المهارات؟ هل ما تقدمه الجامعة من كورسات هنا وهناك تكون في غالبيتها نظريات عفا عليها الزمن كافٍ لإعداد المعلم؟

هل هناك برامج إعداد معلمين قبل الخدمة وأثناءها؟ ربما توجد بالاسم؟ لكن ما هو أثرها؟ ما هي الجهات المسؤولة عن إعداد وتدريب المعلمين؟ توجد كليات تربية في الجامعات العربية .. نعم لكن هل هي المكان الأمثل لتخريج أجيال من المعلمين؟ هل إعطاء برنامج دبلوم مهني بعد الحصول على درجة في الرياضيات كافياً وملائماً لممارسة التعليم؟

هل هناك أنظمة لترخيص المعلمين؟ هل هناك نظام ممارسة مهنة للمعلمين؟ هل هناك نقابة؟ هل يستطيع أي شخص دخول المهنة بمجرد حوزته على شهادة أكاديمية؟

هل هناك امتحانات كفاءة للمعلمين؟ هل هناك بورد (مجلس) يصدر شهادات ممارسة المهنة أسوة بالمجلس الطبي( البورد) في التخصص؟

هل يحب المعلمون تخصصاتهم؟ وهل اختاروا أصلاً هذه التخصصات؟ وهل تتيح لهم سياسة القبول المركزي والموحد حرية اختيار التخصص؟ أم تراهم يطبقون رغم أنوفهم سياسة إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون؟

وهل يمتلك المعلمون عشقاً للتعليم؟ هل يشعرون بالفخر والمتعة وهم يمارسون طقوسهم التعليمية؟ أم تراهم يكرهون أنفسهم ويكرهون اليوم الذي التحقوا فيه بهذه المهنة؟

هل المعلمون علماء أم مجرد ناقلو معرفة؟ هل المعلمون قادة رأي وصناع تغيير أم مجرد موظفون يقومون بأعمال روتينية؟

هل يمارس المعلون الإبداع؟ وما مدى شعور المعلمين بالحرية؟ وهل يتمتع هؤلاء بالقدرة والرغبة في التعبير الحر عن طموحاتهم وأفكارهم؟

ترى كيف نتوقع أن ينمو الإبداع لدى التلاميذ إن كان الإبداع ممنوعاً لدى المعلمين؟ كيف نتوقع من العبد أن يعلم الناس الحرية؟ وكيف يمكن للجبان أن يغرس الشجاعة لدى الآخرين؟ وكيف للمحبط أن يبث الحيوية والدافعية لدى تلاميذه؟ وكيف يدرب تلاميذه على الحرية والديمقراطية إن كان لا يستشعرها؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى