السبت ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم أحمد نور الدين

ماذا يحدث

أهوي من جرف في كابوس إلى سريري المقعر. أنهض جالسا وأنا أتحسس مواضع الأم في ظهري.

وتعيدني الأصوات في الخارج إلى ما انتابني منذ لحظات قليلة وأنا في أعلى الجرف من اضطراب ودهشة.

تسري في داخلي موجة من القلق. فأصيخ بسمعي. كانت تتناهى إلى أذني أصوات كثيرة مزعجة هي في أغلب الظن ما شدني من الكابوس وقذف بي من أعلى الجرف. دوي يمتزج مع هتافات متفرقة. وأصوات أطفال ونسوة تتلاقى مع نبرات خشنة رجولية. ما الخطب يا ترى؟ وكأن الناس قد أصابها مس، فخرجت في هذه الساعة المبكرة من الصبح، تاركة المخادع والديار، لتهيم على وجهها في الأزقة والشوارع!

واشتدت بي الحيرة مع ازدياد الأصوات وتعإلى الجلبة والضجيج. كنت لا أزال جالسا في سريري. مقوس الظهر، أطوق ساقي المطويين بلكتا ذراعي وتجتاحني الرعشة من جديد لدى سماعي لتلك الخطى المتدفقة في الخارج والأصوات المتطايرة في الفضاء.. كان يبدو لي الأمر مستغربا جدا.. ليس لأنني غير معتاد على الجلبة والضجيج في حينا، لا.. ففي حينا السكون جلبة والجلبة ضجيج لا يطاق! خاصة في الأعياد والمناسبات الخاصة. لكن الذي يحيرني ويثير الخوف فيي هو هذه الطفرة المفاجأة التي باغتتني على غير ما انتظار أو توقع. وفي الأمس أخلدت إلى النوم في ساعة متأخرة. بعد ما قضيت ساعات في الشرفة أسامر ظلمة الليل وضجيج الأحياء وأرسم بالسيجارة الخيالات. ولم ألاحظ من شيء يريب، يسري في الحارة. ولا أي نذير ينذر بما ال إليه الخلق في هذا الصباح.

وكأن الجنون ضربهم ضربة صميمة، فهرعوا إلى الشارع يخبطون على غير هدى.. أدعك عينين مغمضتين بكلتا يدي، ثم أغادر السرير إلى حجرة الجلوس. وكانت الظلمة تسكنها منذ أيام، لا أعلم كم على وجه الدقة. يعاودني الشعور بالتعب فأهوي على الكنبة مثقل الرأس لا أكاد أعي مما يحدث شيئا. وتظللني لحظات من السكون وشبه الغياب حتى أكاد أغرق في السبات لولا أن يلطم أذني صراخ حاد يشدني إلى الوعي بفظاظة. ويعقب الصراخ هتاف بائع غزل البنات ثم يتعإلى صوت لامرأة غريبة لا أعرفها تنتهر أحدا فتقول له: "أمشي الله يقطعك"... ويتتابع وقع الأقدام، وهمهمات كثيرة تتعانق في الفضاء.. وأسمع صوت ضحكات يعقبها صوت لبنت صغيرة تبكي... وأشد نفسا عميقا ثم أطلقه وأطرح ثقل رأسي على راحة يدي إلىمنى... يكاد الجنون يلم بي.. ما الذي يحدث بحق السماء؟ هل هو حدث جلل طارء أتى على الناس فجأة فأخرجها من بيوتها؟ هل يكابد الناس حدثا إلىما أم يحتفون بموعد بهيج؟
رباه! ما الذي حدث للدنيا في أيام عزلتي القصيرة؟ ويتصاعد بي الشعور بالحيرة والدهشة فلا أطيق الجلوس أكثر، فأستجمع ما أملك من قدرة على النهوض وانتصب بظهر مقوس.. أدنو من اباجور الشرفة فأفتحه.. وأقف للحظات كالمصعوق، أقاوم تيار الضوء الدافق، أمنع اقتحامه لعيني الكليلتين.
وبعد أن أمسك زمام أمري، أدخل الشرفة

ولا أكاد أصدق ما تراه عينياي.. أقف للحظات في جماد كامل، فقط ألحظ الناس بطرف محير متسائل.. ما هذا الجمع الغفير؟! ومن بين موجات الضجيج والضوضاء المصاحبة لهذه الزوبعة الغريبة أميز تدافع أقدام تهبط سلم العمارة. فأهرع إلى الداخل. وأفتح الباب الخارجي. فأبصر رهطا من الاولاد يتجهون إلى اسفل يتعثرون ببعضهم البعض. وأحاول أن أستوقف أحدهم أستفسر منه لكنهم يتجاوزن موقفي ويتحولون عني في سرعة وهم يتحاشون النظر إلى. يتنامى إلى عيني ما حملته وجوههم الشيطانية من نظرات حذر وتوجس عمت لحظة أطلالتي في ظلمة الرواق. فيتصاعد في صدري الغيظ وأهم بأن أتبعهم صرخة غاضبة محملة بشتيمة.. لكنني أكظم غيظي بجهد كبير. وفجأة يشع في الطابق العلوي نور. فأرفع بصري إلى فوق. فأبصر جاري أبا محمد خارجا تتبعه زوجه. ثم يهبط الاثنان السلم. وأدقق النظر في أبي محمد فألاحظ ارتداءه لبذلة أنيقة فاخرة. وعندما يبلغان باب شقتي أستوقف أبا محمد قائلا:

 صباح الخير يا جار.

فيقسر الرجل قدميه على التوقف بينما تتابع زوجه سيرها نحو السلم. ويجيبني أبو محمد:

 صباح النور...

تمضي لحظة قصيرة جدا. أبادل الرجل نظرة سريعة. أشعر بأنه يرنو إلى بنظرة غريبة. وأهم بأن أوجه إلىه سؤالا لكنه يبتدرني قائلا:

 كل عام وأنت بخير.. إن شاء الله تنعاد عليك بالصحة..

فأصاب من كلامه بدهشة كبيرة.. ولكنه لا يدع لي فرصة للاستفهام فيستأنف سيره ثم تغيبه ظلمة السلم. ولا أطيق الصبر فأرسل إليه صوتي متسائلا:
 بما تهنئني يا جار؟

لا يصلني جوابه بل أسمع ما يشبه الضحكة المكتومة، ربما هي زوجه، لا أعلم. لكنني أظل في موقفي كمن أصابه ذهول شديد شامل. ومن أسفل السلم يترامى إلى صوت أبي محمد يقول لي هاتفا:

 إنه عيد الأضحى!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى