الاثنين ٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

أم كلثوم وحكاية كؤوس الطلا

وكأنه كان يعرف أسرار مهنته معرفة دقيقة، وخاصة من حيث الصوت وما يتصل به من أنغام وألحان، ولعل ذلك ما جعل شعره أطوع للغناء من شعر صاحبيه البارودي وحافظ معا، فقد أكثر المغنون في عصرنا من تلحين شعره وتوقيعه.. .

والحق أن شوقي الإنسان كان عاشقا للموسيقي وللغناء، ويكفي أنه احتضن مطربا ناشئا بصورة وثيقة، تكاد تماثل احتضان أب حنون لابنه البار، وقد أصبح هذا المطرب الناشيء - فيما بعد - موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.

بدأ عبدالوهاب غناءه لشوقي بالقصائد الغزلية الرقيقة والقصيرة، ومن بينها مضناك جفاه مرقده و مقادير من عينيك حَوَّلْنَ حاليا و ردت الروح علي المضني معك و علموه.. كيف يجفو.. فجفَا وفيما بعد انطلق لغناء قصائد عديدة من شعر أمير الشعراء، من بينها سلام من صبا بردي أرقُّ .

لم تقترب أم كلثوم من أمير الشعراء، ربما لأنه كان يحتضن منافسها عبدالوهاب في ذلك الزمان البعيد، لكن شوقي المولع بالموسيقي والغناء قام بتوجيه دعوة لأم كلثوم، وقد لبت هي الدعوة سعيدة ومبتهجة وقامت بالغناء في كرمة ابن هاني أمامه، وأحس الأمير الشعري بالنشوة تغمر روحه، فقام من مجلسه ليحيي أم كلثوم بعد أن غنت، حيث قدم لها كأسا من الطلا - الخمر، وقد تصرفت أم كلثوم بدبلوماسية ولباقة، حيث رفعت الكأس لكي تمس شفتيها دون أن ترشف ولو قطرة واحدة، لأنها لا تشرب الخمر، وقد أعجب شوقي بتصرفها الدبلوماسي وبلباقتها، فضلا عن إعجابه بغنائها بطبيعة الحال.. وعندما خلا بنفسه وانفض الساهرون، كتب قصيدة رقيقة، وفي الصباح أوصلها بنفسه - وفقا لرواية - ويقال - في رواية أخري - إنه وضع القصيدة داخل مظروف مغلق وأرسل من يسلمها إياه، وفي البداية تصورت أم كلثوم أن أمير الشعراء اراد أن يكافئها مكافأة مادية لقاء غنائها في الليلة الماضية أمامه، لكنها اكتشفت أن المظروف يضم قصيدة مكتوبة عنها.. ظلت القصيدة نائمة منذ سنة 1932، السنة التي رحل فيها شوقي، حتي سنة 1944 عندما عهدت بها إلي الموسيقار العبقري رياض السنباطي وقامت بغنائها، بعد أن تم تغيير كلمات بيتين، ورد فيهما ذكر أم كلثوم بالإسم، ويصور مطلع القصيدة كيف وضعت أم كلثوم الكأس علي شفتيها ثم أبعدتها دون أن تشرب:

سلوا كؤوس الطلا هل لامستْ فاها

واستخبروا الراح هل مست ثناياها

أما البيت الأخير، فقد كان في صياغته الأصلية وفقا لما كتبه شوقي:

يا أم كلثوم.. أيام الهوي ذهبتْ

كالحلم.. آهاً لأيام الهوي آها

هذه هي حكاية سلوا كؤوس الطلا .. لكن أم كلثوم - في تقديري - لم تكن البادئة بغناء قصائد من شعر شوقي، فقد سبقتها أسمهان عندما غنت قصيدة هل تيم البان ومطلعها:

هل تيم البان فؤاد الحمام

فناح فاستبكي جفون الغمام

وفيما بعد.. غنت الرائعة فيروز قصائد عديدة من شعر شوقي، كان عبدالوهاب قد غناها من قبل، ومن بينها:

يا جارة الوادي.. طربت وعادني

ما يشبه الأحلام من ذكراك

تحية للعبقري الضخم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يظل حاضرا بقوة عند محبي الشعر العربي ومتذوقيه، رغم غيابه عنا يوم 14 أكتوبر سنة 1932 أي منذ خمس وسبعين سنة .


مشاركة منتدى

  • هذا كلامٌ عشوائيّ لا يصحُّ أن يصدرَ بهذهِ الطريقةِ الساذجةِ التي تنمُّ عن الكسلِ و الاستهانةِ بذاكرةِ الأمّةِ وعقولِ القرّاء.
    أمُّ كُلثوم لم تقترِبْ من شوقي ليس لأنهُ يحتضنُ منافسَها عبد الوهّاب فهذا من تصرّفات ربّات البيوت لا أهل الإبداعِ والفنون ، هي لم تقتربْ ـ في البداية ـ لكونِها قرويةً بسيطةً لم تكن قد تعمّقتْ في الفصحى بعدُ وعرفتْ أسرارها وأغوارها ، وإلا فلماذا قبلت أن يكتبَ لها أحمد رامي وفي الوقتِ نفسهِ يكتبُ لعبد الوهاب ويجالسُهُ في كرمةِ ابن هانئ لدى أمير الشعراءِ شخصيًّا ؟
    أما حكايةُ ورودِ اسمِ أمّ كُلثومَ في القصيدةِ مرّتينِ فهذا أيضا من وحي خيالاتِ الهواةِ ومتسكّعي الفضائياتِ والانترنت ، والقصيدةُ في مُتحفِ أمّ كُلثوم ( وعندنا صورةٌ منها ) بخطِّ شوقي وليس فيها أيُّ ذكرٍ لأمِّ كُلثوم ، ثم إنّ غناءَ القصيدةِ للمرّةِ الأولى كانَ في العام 1935 ولم تُسجَّلْ ، أما أوّلُ تسجيلاتِها فكانَ في العامِ 1936 وهو موجودٌ ومتاحٌ ومعه تسجيلاتٌ أخرى من حفلاتٍ تاليةٍ فقد غنَّتها في ثمانيةٍ وعشرينَ حفلا ( طبقًا للتوثيقاتِ المُتاحة لنا ) ، وهيَ أولى الشوقياتِ التي غنَّتها أمُّ كُلثوم والتي وصلَ عددُها إلى أحدَ عشرَ لحنًا كلُّها للسنباطي ، وكُلُّها بعدَ وفاةِ شوقي .
    أرجو من الموقعِ أنْ يُدقِّقَ فيما ينشرُهُ خصوصًا ما يتعلَّقُ بِسِيَرِ العظماء ، ولا تتركوا البابَ مفتوحًا أمامَ كلِّ مَن هَبّ ودَبّ ليمارسَ التشويهَ والتخريبَ والكذبَ واللعبَ بعقولِ الأجيالِ الجديدة .
    بشــيـر عيـَّاد
    القاهــــــرة

  • احب الشعر العربي وبالاخص أمير الشعراء أحمد شوقي

  • رأي الاستاذ بشير يكاد يكون مقنع واشكر سيادته علي إيضاحه غير انه لم يوفق في اسلوب مراحعته لدقة المعلومات فكان يمكن عرض معلوماته دون تجاوز. في زميل شريك معنا في حوار ولم يصيب

  • السلام عليكم

    تحية طيبة مباركة وبعد

    من دواعي سروري أن أدلي بدلو رأيي أنا أيضا كشاعر معروف وناقد لا سيما في مضمار الفن وأهله على الخصوص ....وذلك بعد اطلاعي الكامل و الوافي على موضوع حكاية القصيدة التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي عقب لقاءه الأول بكوكب الشرق أم كلثوم والتي عرفت فيما بعد وخلال أوائل هذا القرن وبعده بأغنية = سلوا كؤوس الطلا .....وكذلك بعد اطلاعي الكامل على الرد الصارخ بكل هدوء النسائم لصاحبه الكاتب الموقر بشير عياد حول مضمون الحكاية التي سردها الكاتب الفاضل الأستاذ حسن توفيق ولهما الأثنان جزيل الشكر مسبقا ....ورأيي بكل بساطة أنني سمعت تفاصيل الحكاية نفسها من فم الملحن العبقري والموسيقار الجهبذ رياض السنباطي أثناء حوار تلفزي مطول معه بتلفزيون الكويت الشقيقة منذ سنوات طويلة مضت ....ولذلك استغربت شيئا ما ماجاء في رد أستاذنا الفاضل الموقر بشير عياد وتفنيده تقريبا لكل تفاصيل الحكاية وكأنها ضرب من الخيال ....وليس استغرابي لشيئ بقدر ماهو نابع أساسا من ثقتي الكبيرة في ما سرده الملحن العبقري رياض السنباطي حول حكاية هذه القصيدة وسر كتبابتها و تلجينها وعنائها تماما كما جاء في موضوع الكاتب الفاضل الأستاذ حسن توفيق ...وأحسب أنه لا جرم أن أستغرب قليلا أو كثيرا من مثل هذا الرد المفند الذي قرأته آنفا وتفاصيل الحكاية هي نفسها التي سردها رياض السنباطي بفمه خلال الحوار المتلفز معه ....ومن أجل ذلك فلا أحسب أنه من المعقول على الأقل بالنسبة الي أنا شخصيا أن يكون رجلا عملاقا و قامة موسيقية و فنية كرياض السنباطي قد ألف هو أيضا تفاصيل هذه الحكاية من وحي رأسه و خياله المجنح وهو من هو في سمعته الأنسانية و الفنية وفي قربه من عرش سيدة نادرة ككوكب الشرق أم كلثوم ومكانته الخاصة عندها وعند جمهوره الواسع العريض من محبيه و عشاق ألحانه الأسطورية التي كانت تدوي و مازالت تطبق الآفاق من جيل الى جيل .....
    وللحديث بقية أخرى ان شاء الله
    الشاعر والناقد صلاح طبة
    الجزائر
    2021

  • السلام عليكم

    تحية طيبة مباركة وبعد

    من دواعي سروري أن أدلي بدلو رأيي أنا أيضا كشاعر معروف وناقد لا سيما في مضمار الفن وأهله على الخصوص ....وذلك بعد اطلاعي الكامل و الوافي على موضوع حكاية القصيدة التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي عقب لقاءه الأول بكوكب الشرق أم كلثوم والتي عرفت فيما بعد وخلال أوائل هذا القرن وبعده بأغنية = سلوا كؤوس الطلا .....وكذلك بعد اطلاعي الكامل على الرد الصارخ بكل هدوء النسائم لصاحبه الكاتب الموقر بشير عياد حول مضمون الحكاية التي سردها الكاتب الفاضل الأستاذ حسن توفيق ولهما الأثنان جزيل الشكر مسبقا ....ورأيي بكل بساطة أنني سمعت تفاصيل الحكاية نفسها من فم الملحن العبقري والموسيقار الجهبذ رياض السنباطي أثناء حوار تلفزي مطول معه بتلفزيون الكويت الشقيقة منذ سنوات طويلة مضت ....ولذلك استغربت شيئا ما ماجاء في رد أستاذنا الفاضل الموقر بشير عياد وتفنيده تقريبا لكل تفاصيل الحكاية وكأنها ضرب من الخيال ....وليس استغرابي لشيئ بقدر ماهو نابع أساسا من ثقتي الكبيرة في ما سرده الملحن العبقري رياض السنباطي حول حكاية هذه القصيدة وسر كتبابتها و تلجينها وعنائها تماما كما جاء في موضوع الكاتب الفاضل الأستاذ حسن توفيق ...وأحسب أنه لا جرم أن أستغرب قليلا أو كثيرا من مثل هذا الرد المفند الذي قرأته آنفا وتفاصيل الحكاية هي نفسها التي سردها رياض السنباطي بفمه خلال الحوار المتلفز معه ....ومن أجل ذلك فلا أحسب أنه من المعقول على الأقل بالنسبة الي أنا شخصيا أن يكون رجلا عملاقا و قامة موسيقية و فنية كرياض السنباطي قد ألف هو أيضا تفاصيل هذه الحكاية من وحي رأسه و خياله المجنح وهو من هو في سمعته الأنسانية و الفنية وفي قربه من عرش سيدة نادرة ككوكب الشرق أم كلثوم ومكانته الخاصة عندها وعند جمهوره الواسع العريض من محبيه و عشاق ألحانه الأسطورية التي كانت تدوي و مازالت تطبق الآفاق من جيل الى جيل .....
    وللحديث بقية أخرى ان شاء الله
    الشاعر والناقد صلاح طبة
    الجزائر
    2021

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى