الأربعاء ٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
الدعوى ضد الآداب

إرهاب ضد الكلمة العربية الشريفة

فتحي بالحاج

الدعوى الموجهة ضد مجلة الآداب وسماح إدريس تكشف رغبة الحقد الدفينة لدى مثقفي الاحتلال على تكميم الأفواه المناضلة وإرهابها بأساليب التوائيّة بعد أن اكتُشفت الحقائق، فكشفت هذه الحفنة من اللصوص فقرها الفكري والثقافي وعجزها على الرد الفكري في تفسير ما اقترفته في حق الثقافة والمثقفين العرب. ويبدو أنهم يريدون الفعل بقلعة "الآداب" ما فعلوه بمكتبة بغداد وبمتحفها وبمعالم الفكري والثقافة في العراق. لم تجد من أسلوب للمواجهة الفكرية سوى إتباع سياسة التخويف وتسلط المال والعلاقات الخاصة عوض أسلوب الجدل والسجال وحق الرد التي عودتنا بها السجالات الفكرية والسياسية التي شهدتها الساحة الفكرية العربية على الرغم من قلة الساحات المفتوحة و ضيق هذه المساحات المسموح فيها مثل هذا السجال.

إن استهداف الآداب ومن وراءها لبنان ليس محض صدفة وليس لمجرد رد فعل غاضب لشخص كُشفت أوراقة وملأت المواقع ألاعيبه باسم الثقافة والمثقفين.. لبنان من الساحات العربية القلائل التي يسمح فيها هذا النوع من الجدل والجدال.. لبنان متنفس الوطن العربي بعد خنق الاستبداد رئتيه فيما تبقى من الوطن مع بعض الاستثناءات القليلة..لذلك نقول أن استهداف الآداب وهو استهداف لهامش الحرية التي اكتسبه المثقف العربي في هذا الوطن الكبير..سماح ادريس لم يتناول شخص بعينه بل ضرب أمثلة من مثقفين عرب ترتعد الثقافة العربية خوفا ورعبا من ذكر أسماءهم..وتنتفض أجساد مؤسسي نهضتنا العربية المعاصرة في قبورهم لو بلغهم ما اقترفوه بحق نهضتنا العربية المغدور بها....فمنهم من اختار الرد في مواقع أخرى بالرغم من أن الآداب مفتوحة لردودهم..ومنهم من لاذ بالصمت..لكن هناك من اختار أسلوب التخويف والترهيب واستخدام سلطة المال في وجه قلعة فكرية تعيش على مساهمة قراءها وتبرعاتهم..لأنها اختارت طريق الشرف والكرامة أعطت للكلمة كنهها ومعناها وخيرت أن تترجم الكلمات أفعال لا أن تكون مدخلا للتزوير والاستيلاء..

إن الدعوى ضد الآداب وسماح ادريس تتجاوز في أبعادها لبنان إلى الوطن العربي الحزين المكبل بسلاسل الاستبداد لاسكات كل من يفكر وكل من يكتب في أي بلد عربي..كل من تسول له نفسه من طرح أسئلة حول أشباه المثقفين الذين اثروا باسم الديمقراطية وباسم حقوق الإنسان وباسم الحداثة والمعاصرة..الدعوى محاولة قنّاص تعوّد على اغتيال الثقافة والمثقفين ضربة تستهدف الصوت المقاوم الشريف في ثقافة عربية تسعى إلى ـ بالرغم من الجراح ـ الإفلات من قبضة التقليد والاستبداد والهيمنة...

الآداب ليست أية مجلة فكرية من المجلات العديدة المنتشرة في الوطن..الآداب مدرسة تدرب فيها المناضلون الذين يستخدمون سلاح القلم والكلمة.. ومنبر مفتوح لكل الأصوات على صفحاتها تُناقش كل قضايا الأمة بحرية بدون مقص..هكذا تحولت الآداب لسان حال الأمة وضميرها..ولابد في هذا السياق أن نثمّن الدور الذي لعبه سماح إدريس ومن حوله فريق العمل في مواصلة مشعل الآداب..

بالنسبة للجيل الجديد مثلي علاقتنا بمجلة الآداب علاقة حديثة..كنا نسمع عنها والمقالات المنشورة فيها تأتينا تحت الإبط فلم تكن تباع ولم نكن نعثر عليها بسهولة خصوصا في فترات الانغلاق (تونس) .أذكر أن اكتشافي لهذه المجلة ودورها الخطير كان في باريس..في 1996 كنت أبحث عن مقال لمفكرنا المرحوم الدكتور عصمت سيف الدولة المقاومة من وجهة نظر قومية.. _ المقال نشر سنة 1970) كان الهدف مجرد تصوير مقال.. وأنا أتصفح البعض من أعدادها اكتشفت الدور الخطير الذي لعبته هذه المجلة في الفكر العربي المعاصر.. وامتد اللقاء أسابيع طوال وأنا أطلع على ما نشر وما كتب في أخصب فترة من فترات حياة أمتنا المعاصرة أحاول الربط بين ما كتب وبين ما جرى، فاكتشفت أن الآداب كنز كبير لكل متناول لهذه الحقبة..وأنها من المفاتيح الأساسية لفهم ما جرى وطبيعة القوى والرموز الفكرية التي فعلت.. ويكتشف الباحث المتجرد والنزيه من نظرة أولى الدور الخطير (الهام) الذي لعبته في تطوير الفكر العربي وعلينا أن نحمد الله أنه في زمن الانهيارات الكبرى ما تزال مجلة الآداب صامدة إلى الآن

لذلك نرى أن استهداف الآداب الآن يتجاوزها لضرب وتدمير الوعي العربي..لتكميم الأفواه وإسكات الأصوات الشريفة وشراء الضمائر بسلطان السياسة والمال ..إنها محاولة أقل ما يقال فيها خسيسة تستهدف الضمير العربي.. وهي محاولة إرهابية طبقا لقواعد القانون والفكر والأخلاق تريد أن تأتي على الكلمة ونبلها وتقضي على الفكرة وإشعاعها..لذلك نرى أن القضية أكثر من دعوى ضد الآداب وسماح ادريس .. إنها معركة من معاركة ثقافتنا العربية في مواجهة الاستبداد والهيمنة..لقد فشلنا في الدفاع عن مكتبة بغداد ومتاحفها ومعالمها التاريخية..فلنوحد جهودنا للدفاع على حقنا في التفكير..إنها معركة حرية الفكر ضد الإرهاب والاستبداد..

فأيها المثقفون العرب الشرفاء ردوا على هذا الاعتداء الذي يمارس على الآداب إن الدفاع عن الآداب وسماح إدريس معركة من المعارك التي تخوضها ثقافتنا ومثقوها ضد التقليد والاستبداد والهيمنة..

فتحي بالحاج

فتحي بالحاج رئيس جمعية الملتقى الثقافي العربي الأوروبي بفرنسا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى