السبت ٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

المعاصرة

بقلم: عبد الأمير الخطيب

على ما يبدو، أن السؤال الشكسبيري التاريخي، “اكون أو لا اكون..ذلك هوالسؤال” والأصح ”أكون أو لا اكون..تلك هي القضية ”هو من الأسئلة المصيرية التي تجابه الإنسان أين ما ومتى ما كان، والمعنى الظاهر كالمعنى الخفي لهذه الجملة التاريخية، وهو أن الإنسان يبحث عن مكانه في زمنه عن وجوده وكينونته، وهذا هو أقرب المعني لكلمة المعاصرة.

فالمعاصرة تختلف تماما عن الحداثة، التى عمل عليها الكثير ولا يزالون في قضايا الفن والادب وغيرها من التكنلوجيا وعلم اللسانيات. وما يهمني هنا بالتحديد هي قضية الفن، أعني المعاصرة في الفن، وحصرا الفن التشكيلي الذي برع وبرز فية العراقيون دون سواهم من العرب في عقود الخمسينيات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، وعن الدور المعاصر الذي يلعبة هؤلاء في تكوين وتشكيل الصورة النهائية للفن التشكيلى المعاصر في عموم الأرض.

هذا المقال ليس دراسة علمية ميدانيه عن الفن التشكيلي المعاصر، ولاهو نقد لظاهرة الفن التشكيلي المعاصر، بل هومجرد أراء أحاول من خلالها نشر أسئلة لما آراه في تجربتي الذاتية كاحد العاملين المتواصلين في هذا المجال.

كثيرا ما تحدثنا عن الفن الحديث، وعن دور الريادة للفنانين العراقيين لهذا الفن في عموم البلدان العربية، وشهد بذلك للعراقيين العرب جميعا، بمن فيهم من الباحثين والفنانين، وحتى المهتمين بهذا الشأن والمقتنيين. كذلك عرفنا أن الفنان العراقي أضاف وبكل جدارة للفن أو لصورة الفن العربي الحديث الكثير ومن الاسماء الكثير ما سيملأ هذا الإنترنيت. وباعتقادي أن ليس من المفيد الآن ذكر أي اسم لأني في صدد الحديث عن موضوع أخر وهوالمعاصرة لهذا الفنان، أو بالتحديد تجديد معلومات الفنان والناقد والمهتم بمتطورات الفن حول العالم والذي اضاف اليه الفنان العراقي على وجه التحديد.

في قصة الفن العراقي المعاصر يتعرف المطلع والقارئ على أن اهتمام الفنان العراقي بالفن الحديث وبفن الخمسينات والستينات يعود إلى البعثات التي أرسلت إلى أوربا لدراسة الفن من الرعيل الأول للفنانين، وكذلك لجوء فنانين بولونيين إلى العراق اثناء الحرب العالمية الثانية. وهذاالتاثير أو بعبارة أصح التلاقح الذي حصل بين المهتمين من الفنانين الأوائل أو ما نصطلح علية بالفنانين المحدثين وبين ما تاثروا به سواء ما أتى أو ما جلبوه من الخارج أثناء دراستهم كان هوحجر التعامل الأساسي في ريادة العراقين للفن الحديث.

ولكن أين وصل الفنان العراقي بخطابة التشكيلى وأين تواصلة مع الخطاب التشكيلى؟ هل أنتهى عند نقطة الحداثة؟ هل عرف موقعة بين أقرانه من الفنانين أم أنه تصاغر وأنطوى كالقنفذ كي يحمى موروثة الذي بدءه وكانت له الريادة في جلبه إلى عالم مليء بالممنوعات والمحرمات خصوصا “الفن التشكيلى”؟

المعاصرة كلمة تعني التواصل والعصرنة تعني انك مع أخر ما توصل اليه الناس من تجارب، لا أعني هنا في الفن فقط بل اعني جميع المنجزات الثقافية التي من شانها خلق حياة متحركة فيها الجديد والمتجدد باستمرار. وكذلك تعني كلمة المعاصرة , انك تعيش مع الحالة اوالشخص في ذات الزمن كقولك عاش ابونؤاس معاصرا للرشيد، أي انهما عاشا في ذات الزمن. اذن فالزمن هوالقاسم المشترك لطرفي المعادلة.

لقد درس الفنان العراقي أثناء الخمسينات والستينات من القرن الماضي في أوربا وتعايشوا مع الفن الأوربي، وكما أسلفنا فانهم جلبوا التاثير وكفى المؤمنين شر القتال. أي أنهم ادّوا وظيفتهم ولم يطالبوا بتأسيس معاهد أو حتى مؤسسات تهتم بدراسة آخر ما توصل إلية الآخر من تجارب في الفن التشكيلى، هذه ليست مشكلة محددة في جيل محدد بل هي مشكلة مع كل الذين اعقبو جيل الستينات، لأننا ورثنا الفن والمعرفة في الفن أساتذة ودهاقنة الفن أي من شيوخ عشائر الفن الفاهمين الكاملين الذين لا ينطقوا عن الهوى. فكان من الطبيعي أن يضبب الأستاذ في كلية الفنون تجربة الفنانين الآخرين مثل بيكاسوا وماتيس وغيرهم، ويتحدث عن هذه التجارب وكانها المقدس الطاهر الذي ربما يدنسة الأطفال النجسين.

وبدلا من توضيح رؤية بيكاسوللتلاميذ رؤية بيكاسوا التي أعطاها للعالم من خلال الفن، يحاول الأستاذ تصغير تلامذته وربما تحقيرهم ومحاربة كل من يبرز من الطلاب وهذا بعبارة آخرى هو تعبير عن العشائرية الدفينة في الأعماق السحيقة لنفس هذا الأستاذ المريض بالنرجسية والمرض العربي الذي لا يُستاصل” العشائرية”، جلب هذه العشائرية إلى الجامعة وإلى المحترف وفي كل ميادين الحياة، لتبلغ ما بلغناة في زمننا المعاصر الآن.

تجاهل أو انقطع الفنان العراقي وقرينه العربي، عن آخر المتطورات في الساحة التشكيلية العالمية منذ بداية السبعينات وبقي يراوح في ما انجزة وما توصل الية في السنتينات، وبدلا من أن ينشغل في وظيفتة الاساسية وهي التواصل في صناعة الخطاب والمشاركة في صناعة الخطاب التشكيلى، لجأ إلى التواصل مع الخطاب السياسي والتاكيد على صناعة الايقونات وصناعة الاصنام من هذه الايقونات، وهنا لا أعني في العراق حسب بل طالت الحالة لتشمل جميع انحاء العالم العربي.

هنا أود أن أأكد على أنّي لست ضد الأيقونة ولا جميع الأيقونجية، بل أأكد على أن الفنان العربي يجب أن يبرز مشاركتة في صناعة الخطاب التشكيلى العالمي المعاصر، وهذا هو الذي دعاني أن اكتب هذه السطور المتواضعة، وأن أنثر هذه الأسئلة التي لا بد منها.

في معرض نقاشي وفي مكالماتي التلفونية مع أغلب الفنانين والنقاد والمهتمين بالفن التشكيلي، يتبين دائما أن الفنان العربي المعاصر يجهل تماما الفنانين الآخرين، فنان مثل انيش كابور أو مثل سيباستيا وسلجادواو أو ود نودروم أو أي فنان عالمي معاصر، هذا الجهل حالة خطيرة، وخطورتها الخفيه تعّمق الهوة بين ما توصل إلية الفنان العربي وبين ما توصل أو يتوصل إلية الفنان العالمي الآخر المعاصر

يكتب معظم الفنانون العرب عن فنانين آخرين زملاء لهم أو حتى كتابة بعض النقاد العرب أو بالاحرى المشتغلين بالنقد عن الفنانين العرب، هي محض مجاملة ليس لها علاقة بالفن وتحليل الظاهرة أو البحث الفني لهذا الفنان أو ذاك، هذه المجاملات تزيد الهوة عمقا ولاتردمها أبدا، بل توصلت الحالة ببعض الروائيين والشعراء بالكتابة عن بعض الفنانين بانهم من أوجد ظاهرة الفن الحديث، تماما ككتابة الشعر والروايات عن صلاطينهم.

بقي أن أقول عن تجارب الفنانين العرب الذين ترعرعوا في الغرب وشاركوا في صناعة الخطاب التشكيلى المعاصر،ويالتاكيد سوف لن استطيع حصر هؤلاء أبدا لانهم نجوم لامعة في سماوات “بلدانهم الثانيه” ولهم وضعهم ومشاكلهم وحتى حضورهم الفعّال الذي يكتبه لهم التاريخ. وأما قضية تغيبهم القسري عن العالم العربي وعن الصحافة والإعلام العربي فهذه قضية بحد ذاتها بحاجة إلى بحث وتقصي علمي.

أقول هذا وأنا أتابع بعض ما ينشر في الصحف التشكيلية والثقافية التي تكتب عن الفن، الفنان العراقي يركز على حقبة الستينات ولا يريد أن يفهم الخطاب التشكيلي المعاصر ويكتب أحد الفنانين عن فنان آخر بعين ستينية أو حتى خمسينية صرفه، وكذلك يكتب السوري عن زميلة بذات العين. أما عن المنجز التشكيلي العربي المعصر داخل العالم العربي فإن هناك ممارسة تعسفية عنيفة من قبل العشائريون في وأد هذا المنجز ومن ثم محاربته. ولنا في مثال الفنان البحريني الذي عمل انستليشن “فن تركيب” والذي طرد من موقع العمل وتحطم عمله.

ولكن هذا لا يعني أن ليس هناك تجارب تشكيلية معاصرة، ولنا في تجربة الشباب المغاربة الجدد مثال على المنجز التشكيلي المعاصر، والمشاركة المعاصرة في صناعة الخطاب التشكيلي المعاصر. وكذلك العشرات من الامثلة المعاشة.

بقلم: عبد الأمير الخطيب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى