الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
حكايات وعبر
بقلم جاسم محمد صالح

حكاية الثعلب والخنازير وعصافير الدوري

توهم البعض أن الثعلب هو أذكى الحيوانات، أنا لا أقول ذلك، بل ولا اتفق معه أبدا … حيث أن الثعلب لا احد يعرف شيئا عن ثعلبيته … ومن أي أب يكون؟، هذا الثعلب الهمام طوى الجوع والذل والحرمان كل المسافات الواسعة بين بطنه وظهره حتى التصقا.

استغل هذا الثعلب الذي تهستر من شدة الجوع ووضاعة النسب في ذلك الصيف التموزي في بغداد السلام … ونوم (ناطور) البستان .. وتسلل إلى داخله عبر ذلك الثقب الضيق والذي دخله بسهولة لصغره، فوجيء الثعلب الدخيل بان هذا البستان الذي دخله ما هو إلا جنة من الجنان … حيث مياهه عطر وماء وهواؤه موسيقى وفرح وغناء … أما ترابه فهو زئبق ويورانيوم ونفط وذهب … والمسافة الواسعة بين جهاته الأربع أضرحة وتاريخ وقيم ومبادئ … ومكتبات لا حدود لها … أما أشجار هذا البستان فهي متشابكة حتى الأغصان والأوراق حتى لا تستطيع أن تفصل ورقة عن أخرى … التصاقا حد العظم وتتناثرت في كل إرجائه جمعيات فاعلة للرفق بالحيوان .

استغل الثعلب هذا وهو لم يغتذ خبز ملة منذ أزمنة سحيقة واستولى على كل شيء فيه … نمت أظافره حتى تحولت إلى سكاكين … أما أسنانه فهي الأخرى قد استطالت وصارت رماحا شاخصة … وامتدت يده بسرعة جنونية لتقطف كل ما هو موجود من فاكهة وثمار … أكلا وكبسا وبيعا وشراء واستحواذا.

فرخ هذا الثعلب ثعالب أخر وامتلأت البستان بالثعالب … حتى صار الثعلب يسير فوق الثعالب، ترهل الجميع … وحمائم البستان نائمة … غزلانها … وطواويسها … وحتى الفراشات الملونة وعصافير الدوري وطيور الكناري … فهذا البستان هو ارض للسلام … والله يحميه من أعدائه … ولن يتمكن أي خبيث من إيذائه أو الإيقاع به.

استيقظ سكان البستان فزعين، فأصوات الثعالب الدخيلة ما عادت تحتمل، لكنهم كانوا عاجزين عن مواجهة هذه الجموع من الثعالب التي تحولت إلى ضباع وكلاب مفترسة … وربما خنازير تقطر الدماء من أنيابها .

خيرات هذا البستان انتشرت في كل الأرجاء، تنبهت الخنازير إلى ذلك، فأحاطت في ليلة مغبرة بالبستان من كل جانب وكشرت عن أنيابها، هي الأخرى تريد الاستحواذ على كل شيء.

رفعت الثعالبي شعار: (علي وعلى أعدائي ) متمثلة بقول (شمشون ) ... وبدأ كل ثعلب يأكل ثعلبا … حتى بقى ثعلب واحد بلحية كثة، ووجهه مثل وجه دراكولا وكرش ممتلئ بلحم الغزال المطعم بالزعفران والهيل … وقررت الخنازير إخراج هذا الثعلب الذي بدأ بالتبول على نفسه … فربطته بحبل يشبه الحبل الذي تربط به الحمير، وحاولت إخراجه من ذلك الثقب الضيق … لم تستطع، فحجمه كان اكبر بكثير من الثقب … وبقيت الخنازير ستة أشهر تسحبه بعد أن فرضت عليه الجوع والعطش واكل التراب حتى عاد هزيلا مثلما كان … بوجه بشع وحالة مزرية … وتفاهة لا حدود لها، وتمكن خنزير أن يسحبه ذليلا ككلب وضيع من حفرته التي احتفرها قبرا له، وتأكد احدهم من هويته الثعلبية بان فتح فمه، وفعلا فتح لهم فمه مثل بقرة أو دمية:
 ياه … ما اخسك أيها الثعلب الذميم بلحيتك الكثة ووجهك الخسيس.
انتبه سكان البستان … كانوا فزعين لما يجري، فالشر يحيط بهم من كل جانب … لم يجدوا أمامهم غير أن يكونوا حالة واحدة، مثل بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا … لا لونا يفرقهم … ولا شكلا يباعدهم … ولا لغة تجزئهم … عائلة واحدة هادئة مطمئنة متكاتفة ضد أعدائها المحيطين بها من كل حدب وصوب … وخصوصا اؤلئك الأعداء الذين تسللوا إلى داخله خلسة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى