السبت ١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم تركي بني خالد

إصلاح التربية في الوطن العربي: عودة إلى الأساسيات

الحلقة الثانية: المعلم الجديد

في مواجهة تحديات القرن الجديد لا بد من البحث عن معلم جديد ولا بد من التخلي عن جميع الأنماط التقليدية من التعليم. بل لا بد من إعادة تشكيل المعلم الحالي وخلق آليات تضمن أن يكون المعلم القادم من نوع آخر. ولا بد لوزارات التربية والتعليم في العالم العربي من التصدي للسؤال الأساسي. ما نوع المعلم الذي تحتاجه المجتمعات العربية ونحن ما زلنا في بدايات القرن الحادي والعشرين؟

المعلم هو مفتاح التغيير، بل وصانعه أيضاً. والمعلم هو الذي يدخل إلى غرفة الصف ويغلق الباب خلفه ولا أحد يعرف ماذا يحدث بعد ذلك! المعلم هو الذي أسلمناه فلذات أكبادنا وهم في عمر الورود. أودعناه مستقبلنا وطموحنا آملين أن يصنع من أطفالنا شباب المستقبل وصناع التغيير. المعلم هو الذي ملكناه عقول التلاميذ وعواطفهم لسنوات طويلة تصل إلى أكثر من (12) عاماً، ولا ندري ما الذي يقوم به خلال هذه السنوات الطويلة خيراً كان أم غير ذلك!

ترى، هل تعترف وزارات التربية والتعليم في العالم العربي بأن المعلم إنسان وصاحب قرار؟ هل تدرك وزارات التربية والتعليم ومن خلفها المجتمعات العربية أن المعلم شخص خطير!

كيف يتم اختيار المعلمين؟ وكيف تتم عمليات انتقاء الملتحقين ببرامج إعداد المعلمين؟ هل هناك مقاييس؟ هل هناك معايير؟ هل سأل أحد ما نوع الاتجاهات والميول التي يتصف بها المعلمون؟ هل سأل أحد عن شخصية المعلم؟ كيف تم التأكد من ملائمة المعلم من حيث شخصيته؟ هل توجد اختبارات تؤشر إلى معايير معينة في الشخصية؟

هل تجرى مقابلات للطلبة الراغبين في الالتحاق بكليات المعلمين؟ هل طلب أحد من المرشحين للتعليم شهادة حسن سلوك؟! من يضمن بربكم أن المعلم المراد تعيينه يتمتع بالدفء! ما مدى إحساس هذا المرشح للتعليم بالإنسانية نفسها؟ ما مدى تمتعه بالحساسية والإحساس المرهف؟ هل شارك أثناء دراسته بأحداث عنف؟ هل يتصف المرشح لدخول مهنة التعليم بالحماسة للعمل؟ هل يتوثب للعمل مع الأطفال وليس ضدهم؟ هل يستمتع بصحبة الأطفال؟ هل لديه أو لديها خاصية المرح وحب الحياة والرغبة في خلق الأجواء الجميلة؟ إن من لا يمتلك هذه المواصفات لا فائدة منه في التعليم، فالتعليم مهنة إنسانية قبل كل شيء وليست حوزة كرتونه في تخصص ما يشهرها في وجه المجتمع طالباً وظيفة، أي وظيفة؟

المعلم الجيد هو الذي يتصف بالصفات الإنسانية النبيلة، وإلاّ لماذا ننعت المعلمين بأنهم ورثة الأنبياء وأنهم أصحاب رسالة سامية؟ المعلم الجيد بطبيعته عادل! من يضمن هذه الميزة عند المعلمين؟ المعلم العادل لا يؤمن بالواسطة ولا بالمحسوبية ولا بالفساد؟ المعلم العادل كالقاضي العادل لا يعطي درجات أكاديمية إلا بالعدل، ولا يوقع على شهادة إلا بالعدل، ولا يؤمن بغير العدل كمقياس للنجاح والتفوق والمعاملة؟ هل يشعر التلاميذ بعدالة المعلم؟ هل جعل المعلم من نفسه قدوة في العدل وقول الحق؟ كم من طالب قرر الهروب من المدرسة بسبب ظلم المعلم؟ كم عدد المتسربين من المدرسة بسبب ظلم المعلمين؟ إن الطالب الذي يشعر بالنقمة على المعلم وبسبب المعلم لن يكون إنساناً ناجحاً أو مواطناً صالحاً على الإطلاق.. اسألوا المساجين من المتشردين وأصحاب السوابق ومن لم يكملوا تعليمهم.. لماذا تركت المدرسة؟ ستجدون أن أحد أهم الأسباب ظلم المعلمين وتجبرهم؟

ما مدى امتلاك معلمي الأمة العربية لخاصية التعاطف؟ الشعور مع الآخرين؟ الشفقة على الآخرين في وضع الشدة؟ هل يمتلك معلمو الزمان العربي الإيمان بالديمقراطية؟ نعم الديمقراطية بمعناها العام الواسع "حكم الناس". هل يمارس معلمو العربي الديمقراطية؟ المشاركة في صنع القرار؟ وكيف نتوقع للديمقراطية أن تنتشر إن لم يمارسها المربون في المدارس والجامعات؟ هل تؤخذ الديمقراطية عن طريق كبسولات ذكية أم أنها تكتسب كسلوك حضاري في البيت والمدرسة والشارع ومكان العمل؟

كيف يراد لأمة العرب التحضر واللحاق بركب الأمم المتقدمة ما دام بين ظهرانيها معلمون ومعلمات لم يتذوقوا الديمقراطية ولم يمارسوها في قراراتهم اليومية الكثيرة حتى لو كانت على أبسط الأمور مثل الاتفاق على موعد امتحان يومي؟!

كيف لمن لم يمتلك الديمقراطية ولم يتمتع بها ولم يؤمن بها أن ينتج شعباً طيب الأعراق؟ وكيف نتوقع أن يكون المعلم ديمقراطياً إن كان هو لا يشعر بها ممن هم أعلى منه؟ هل يشارك المعلم العربي في صنع القرار التربوي على الأقل؟

والمعلم الذي نريد لا بد أن يكون مستجيباً حساساً متفهماً لحاجات الآخرين وخاصة زبائنه من الأطفال. فهل يدرك صانعوا القرار في بلاد العرب مدى حاجة المعلمين لهذه الصفات؟ هل يتعامل المعلم مع جميع التلاميذ باعتبارهم أفرادا مختلفين ذوي حاجات مختلفة وربما خاصة؟ يحتاج الطفل في المرحلة الابتدائية إلى أن يشرب كوب ماء، لكن المعلم داخل الصف يمانع من خروجه لأنه لا يثق به، وإذا اكتشف المعلم المناوب في الممرات والساحات أن هناك ولداً يريد أن يشرب، سرعان ما يأمره بالذهاب إلى صفه، فالطفل العربي يحرم من اشباع حاجاته الأساسية؟! إنني أعرف عن حالات اضطر فيها التلاميذ للتبول والتبرز على ملابسهم داخل غرفة الصف وذلك خوفاً من الإفصاح عن حاجتهم، أو بسبب عدم السماح لهم بممارسة هذا الحق الطبيعي؟

هل يؤمن المعلم العربي الحالي بالحاجات الجسمية والنفسية العاطفية والاجتماعية والمعرفية للأطفال؟ ما موقفهم من نظرية ماسلو في الحاجات الإنسانية؟

هل يتمتع غالبية معلمين بروح اللطافة في التعامل والجاذبية في الحديث؟ هل لديهم الجاذبية في الشكل والهندام والتأنق؟ هل يدركون أثر ذلك على نفوس تلاميذهم؟ وهل يؤمن المعلمون والمعلمات أن لهم أثراً يجعل التلاميذ يقلدونهم في حركاتهم ولهجتهم ولباسهم؟

ألا يدرك معلمو العرب أن الطلبة في الغالب يتأثرون بالمعلم المتيقظ الثابت في خطاه، الواثق في كلامه، المسؤول عن تصرفاته أمام الجميع؟ ألا يفقد التلاميذ ثقتهم واحترامهم للمعلم حين يرونه يصرح ويشتم ويلعن ويخرج عن طوره؟!

ألا يدرك المعلمون أن التلاميذ مهما صغر شأنهم يحتقرون المعلم القاسي، والمعلم الممل والمعلم المتعال، والمعلم سريع الانفعال وغير الواثق؟

كيف يرى المعلمون أنفسهم؟ ما هي ميولهم؟ وكيف تكون جوانب شخصياتهم؟ ما موقعهم على مقياس الإنسانية؟ لا أحد يتوقع منهم أن يكونوا ملائكة بالطبع، فالإنسان بطبيعته كائن معقد متقلب متغير ومتأثر بما هو وبمن هو حوله وله حاجاته وهمومه وطموحاته. لكن المهم هنا أن يدرك الجميع أن الاتجاهات والميول ونمط الشخصية تؤثر وبشكل مباشر على السلوكات الصادرة من المعلمين فهم من خلالها يرون أنفسهم ويرون العالم من حولهم. باختصار شديد نريد معلماً إنسانا بالدرجة الأولى، ثم نبدأ.

الحلقة الثانية: المعلم الجديد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى