الثلاثاء ١٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

اعتذار إلى ولدي القادم

بقلم: الطاهر العبيدي

لا تلمني يا ولدي عن تأخري في القدوم إليك، فلست مسئولا عن هذه القيود التي منعتني من التعبير عن إحساس يتسلقني والآلاف مثلي، ولكن الظروف صادرته وصيرته آهات محبوسة.

لقد طال غيابي عنك يا ولدي، وطال انتظارك لي وضاعت أيّام الشباب منّي ومع ذلك فأنا لم آت...لم آت يا ولدي رغم أني لست مضربا كما تتصور، بل لست متمرّدا عن طبيعتي البشرية ولكنها الظروف، الظروف يا ولدي هي التي سلبتني تأشيرة القدوم وحرمتني حلاوة اللقاء
.
قد تتساءل يا ولدي في لوم وعتاب، هل الظروف هي التي تصنع الإنسان؟

أم الإنسان هو الذي يصنع الظروف؟

فقبل أن أجيبك اسمح لي يا ولدي أن أقدّم إليك هويتي الضائعة في
الزمن الضائع
.
أنا شاب من حظيرة الشباب المحجوز في "أوكار العزوبية"

عمري صراع مستمر بين الضياع والأحزان...

موقعي في المنطقة الوسطى بين الخصاصة والاحتياج...

مهنتي سجين من سجناء الوظيفة...

حريتي جريحة فوق أكداس الكلمات الطليقة...

صوتي مصلوب على مشانق الخطب والاجتماعات...

آهاتي أسيرة بين غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار...

قلمي محاصر بين الصمت والكتمان...

كلماتي مطاردة من قاموس الوطن...

صرخاتي مخنوقة على صدور الفقراء والمعذّبين

فلا تلمني يا ولدي الحبيب إن أنا أطلت الغياب، فقد فتشت كثيرا في هذا الزمن "المستنقع" عن بعض أحلامك الجميلة...بحثت لك يا ولدي طويلا عن وطن يدثرك من القهر ويحميك من الاحتياج... بحثت يا ولدي في البوادي والتلال، بحثت في المدن والقرى والأرياف، فلم أجد غير أوطان خلعت الحياء وتمضمضت بأحلام الأبرياء، بحثت يا ولدي طويلا، طويلا فلم أجد غير أوطان قد اغتالت العقل واللسان...فلا تلمني يا ولدي الحبيب إن أنا أطلت الغياب، ولتعلم أنّني ولدت فوق مهد المتاعب ودرست في مدارس المتاعب وأخيرا اشتغلت في وظيفة المتاعب...
فاعذرني يا ولدي الحبيب إن أنا قد تأخرت عن المجيء، فكم حاولت أن أركب مرتبي حتى نلتقي ولكنّه سرعان ما يغرق بي بين الأسعار الصاخبة والأجور الباكية

فلا تلمني يا ولدي الحبيب فهذا "راتبي مبتور" تجاوزته الأرقام، تجاوزته المناسبات والأعياد. فلا تتهمني يا ولدي بالتبذير فقد تنازلت كثيرا عن رغيفي المرّ ومع ذلك فأنا لم أصل إليك

فاعذرني يا ولدي الحبيب فميزانيتي المشلولة لا تسمح بقدومك...وكذلك أوطان القهر تعطّل مجيئك… لهذا فإني خيرت أن أتزوج الصبر...فضّلت أن أتزوج النضال حتى أصنع لك مهدا من الحرية والكرامة...
فيكفي يا ولدي أن أجوع أنا...يكفي يا ولدي أن أتعب أنا...يكفي يا ولدي الحبيب أن أشقى أنا حتى لا تذلّ أنت ولا تهان...ثمّ أني أخاف عليك يا ولدي الحبيب إن أنا أتيت بك، فقد تضاف إلى قائمة البطالين أو المسجونين أو المهجّرين أو المنفيين

بقلم: الطاهر العبيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى