الأحد ٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم أمينة شرادي

الحقيبة

..تكاسل حسن في فراشه، كما تعود، منذ مدة.احتمى بوسادته الكاتمة لأسراره حتى يتفادى لسعات الشمس الصباحية.فهي تتسلل إليه كل صباح في غفلة عنه، وتداعب خصلات شعره الناعم والقصير، وتحدث فوضى صغيرة في غرفته وتظل عنيدة معه حتى ينهض أويطردها بإقفال نافذته وكل الشقوق التي تسمح لها بالدخول والتجول دون استئذان منه.ما هي إلا لحظات، دقات على باب شقته، أفزعته وقام بوجه مكهرب وصوت يعلوويخبو.زمجر قائلا"ما هذه الفوضى؟الشمس والضجيج معا.."فتح الباب بعينين نائمتين، يستفسر عمن أزعجه في هذا الصباح الصيفي.

 صباح الخير.أرجوالتوقيع هنا بالاستلام.
 شكرا.

مازال غير مدرك ماذا يحصل.ولماذا وقع وماذا استلم.واقف، وبسرعة شديدة فتح الظرف وأخذ يقرأ بصوت عال.فحسن منذ مدة وهويعيش في هذا البيت لوحده.تقلب في مهن عدة، لكن طموحه كان أكبر.فشهادته الجامعية كانت تدفعه دائما للبحث عن الأحسن.صورته وشواهده تجدها في عدة شركات ومؤسسات وكلها تجيبه بنفس الجواب"سنتصل بك"سئم الانتظار وسئم الجواب ورمى كل شيء في غياهب النسيان.لكن هذا الصباح لم يكن مثل الصباحيات الأخرى.طار فرحا واعتذر للشمس التي كانت تساعده على الاستقالة من فراشه والنهوض لاستقبال هذا الخبر الجميل."وأخيرا، طلعت شمسي وغرب

ليلي.افتكروني..افتكروني.." طلبوه للحضور إلى مقرا إحدى الشركات التي كان قد راسلها. وإحضار وثائقه وشواهده.لبس البدلة الوحيدة التي لا يظهر بها إلا في المناسبات الهامة.كانت محفوظة في أحسن ركن في غرفته.لا تطالها لا الشمس ولا عين الإنسان.

أخذ حقيبة صغيرة ووضع فيها عمره كله.كان فرحا فرح الأطفال.خرج بسرعة لا يلوي على شيء.امتطى الحافلة ومن شدة فرحه تكلم بشكل مسترسل مع رجل كان يجلس إلى جانبه.تكلم في كل شيء بعينين لامعتين وصوت مبسوط.تكلم وتكلم حتى أخذته الحافلة إلى مكان أبعد من العنوان الذي يريده.نزل بسرعة فائقة وطلق العنان لساقيه النحيلتين اللتين اعتادتا على النوم الطويل.لكن أخذته الصاعقة لما انتبه بأن شيئا ما ينقصه."أين الحقيبة؟"التفت حوله كالمجنون، يكلم نفسه ويهذي."الحافلة.أكيد تركتها في الحافلة"تابع جريه لكن في الاتجاه المعاكس.آملا أن يصل إلى المحطة الأخيرة للحافلة.سأل السائق الذي وجده يتأهب للذهاب، فتش عن الحقيبة قرب المكان الذي كان يجلس فيه كمن يبحث عن إبرة في قش.لا أثر.خارت قواه وكاد الدمع أن يفر من مقلتيه.استرخى على أقرب كرسي وجده أمامه في الحديقة العمومية دون حراك ودماغ تحت نقط الصفر.توقف عنده الزمن وكادت أن تتوقف حياته.كم انتظر هذه الفرصة..فجأة، لمح شاب يمر من أمامه ويحمل حقيبة تشبه حقيبته الضائعة ويجلس على كرسي قريب منه. انفرجت أساريره وعاد الأمل الهارب.اقترب من الشاب وسأله عن الحقيبة.لكن رفض هذا الأخير للاستماع إليه أودى إلى نزاع بينهما أوصلهما إلى الشرطة.كان حسن واثقا من نفسه بأنها حقيبته فهي عاشت معه مرحلة النوم الطويل والانتظار المتكرر.
وزاد من ثقته وصوله إلى مركز البوليس." وأخيرا سأحصل على الوظيفة"هاتف نفسه المتعبة.

وكانت المفاجأة التي لم تخطر على بال حسن حتى في المنام.قال لهما الشرطي:-
إلى من هذه الحقيبة؟كل من حسن والشاب الآخر تنازعاها.

فتدخل الشرطي وأخبرهما بأن هناك شكاية أخرى لحقيبة مسروقة.اغتنم حسن الفرصة ظانا أنها فرصته الوحيدة لأخذ حقيبته والحصول على الوظيفة:-

 أرجوأن تفتح الحقيبة.وسترى بأنها لي لأنني وضعت بها وثائق تهمني.

فتحت الحقيبة وهنا خرس حسن وتمنى لولم يتسلل إليه نور الشمس في الصباح ولولم يسمع طرق الباب.كانت الحقيبة فارغة تماما.قال لهما الشرطي:

 ستنتظران معنا بعض الوقت حتى نعرف قصة هذه الحقيبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى