السبت ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
عبد الحميد عقار للشرق الأوسط:

اتحاد كتاب المغرب مستقل وحريص على استقلاليته

محمد المزديوي

لا يتوقف عبد الحميد عقار عن العمل، الكتابة والاشتغال حتى الليل في مكتب اتحاد كتاب المغرب، في مقره الجديد، إذ هو رئيسه، كما أنه هو رئيس المجلة التي يصدرها الاتحاد «آفاق» وكذلك مجلة وزارة الثقافة المغربية التي تحمل اسم «الثقافة».

ثمة أشياء أخرى كثيرة يدلي فيها بدلوه، كما قال «برتولد بريشت» (في كل مسالة اتخذ موقفا). وكان هذا شعار مجلته الرائدة «الجسور» التي قرر إدريس البصري، وزير داخلية المغرب في لحظة سوداء، أن يمنعها بمعية مجلات حداثية أخرى من بينها «الثقافة المغربية» و«الزمن» و«البديل» و«المقدمة» وغيرها...

هذا الأستاذ المتخصص في الرواية المغربية، القارئ النهم لكل التراكمات المغربية والعربية من هذا الجنس الأدبي ومن غيره من الأجناس، يستطيع أن يتحدث عن كل القضايا التي تعتمل في الجسم المغربي. يهتمّ بالشأن السياسي ويهمه أن يدلي بدوره، من موقعه ككاتب ومثقف في مسائل التداول السلمي على السلطة في البلد، من حكومة التناوب والانتخابات الشفافة والحق في الاختلاف السياسي، وغيره. شجّع وبارك سياسة المصالحة في البلد من خلال طيّ صفحة مريرة وسوداء من تاريخه الحديث، ويواصل عمله في هذا المجال من خلال مساهمته كعُضوٍ في «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان». كما أنه حريص على مساءلة الوضع الفكري والحضاري للمغرب، والعالمين العربي والإسلامي.

«كم كنتُ سعيدا أن يستقبل اتحاد كتاب المغرب المفكر والمؤرّخ عبد الله العروي في محاضرة حملت عنوان «عوائق التحديث»، يقول لنا، معبرا عن خيبة أمله لأنّ الحوار الذي أجراه اتحاد الكتاب مع المفكر المغربي الكبير لم ينل حظّه من النقاش.

«المحاضرة كانت في غاية الدقة والخطورة، وقد طبعناها في كتيب، وجاء باحثان مرموقان لمناقشة المحاضرة، عبد المجيد قدوري ونور الدين أفاية...»

ينصح عبد الحميد عقار بقراءة إجابات العروي على مساءلات المتدخّليْن، لأنها كانت أكثر عمقا أحيانا من المداخلة نفسها. يأخذ عقار المبادرة ويقرأ لنا: «الغرب يتحدث اليوم عما بعد الحداثة، لكن بعد أن أخذ بالحداثة، بعد أن عرف الحداثة. لكن يريد منا أن نتحدث عما بعد الحداثة ونحن ما قَبْلَها. لذلك فإن موقفي هو أنه لكل واحد الحق أن يتكلم في ما بعد الحداثة، إما في أبحاثه الفكرية أو في تصوراته الفنية إلى آخره... لكن شريطة ألا يدخل هذا في ميدان العمل الجماعي الذي هو السياسة».

نسأل عقار عن أعماله الكتابية، إذْ انه لا ينشر كثيراً، فأكّد أنه «بصدد وضع اللمسات الأخيرة على جزءين من اللقاءات التي أُجْرِيَت معه ومن الأبحاث والتأملات الفكرية السياسية». وماذا عن الأدب؟ أطرح السؤال: «ثمة كتاب ثالث، يتضمن المقالات الأدبية التي نشرتها في العديد من المنابر الثقافية، ويتضمن محاضرات ألقيتها في لقاءات وندوات». ليس ثمة ما يكشف عن انهماك الرجل في السياسة على حساب الأدب، ولا العكس، هما متلازمان ومتكاملان: وهو حين يمارس السياسة لا يمارسها من خلال اليومي المبتذل، وإنما من خلال ما هو استراتيجي وفكري، أي إخضاع السياسة للفكر وشروطه الصارمة.

حين رأيناه بسرعة، كان بصدد الإعداد لأنشطة ثقافية في الجنوب المغربي في أرفود، حيث الأنشطة تطال مجلات مختلفة من بينها السينما والثقافة الشعبية والأمازيغية. وكان الوقت يتصادف مع زيارة بعض أدعياء الثقافة الأمازيغية الموتورين إلى الكيان الصهيوني من دون رادع أخلاقي ولا وطني، «من أجل اعتراف إسرائيل بقضيتهم».

نسأله عما يؤرقه، فيقول «تشجيع المبدعين الشباب، من تجريبيين وحداثيين وحتى غاضبين، دون المساس بدور الكبار الذين رسموا الثقافة المغربية الأصيلة».

لا يتذمر عبد الحميد عقار من الانتقادات، التي تكون مبنية على وقائع وتروم تقويم حدث أو تصرف، لكن ما يغيظه هو الآخرون، الذين لا يريدون أن يعملوا، ويستمتعون بتوجيه اللكمات غير الأدبية. لكن الضربات عرفها الرجل، القادم من اليسار، في لحظات كانت صعبة جداً على العمل السياسي والثقافي، وأصبح بالتالي يتمتع بنوع من المناعة.

ثمة أشياء تغيظه، منها تشجيع، بعض الأطراف، للفرنسية وللعامية على حساب اللغة العربية الفصحى، كما يغيظه، تحامُل بعض الشوفينيين الأمازيغيين. وهو في هذه القضية التي يُنْتَقَدُ فيها، عن خطأ وعن سوء فهم، لا يوجد من يستطيع أن يزايد عليه، في انفتاحه على الثقافة الأمازيغية وإيمانه بدورها كرافد مركزي من روافد الثقافة الوطنية.

الذين يبحثون عن الرجل ويريدون أن يعرفوا إنجازاته، وهو محاط بالطبع بكوكبة من كتاب وكاتبات من أعضاء اتحاد الكتاب، لا يتوقفون عن العطاء، فما عليهم سوى أن يتأملوا إنجازات الاتحاد، على الرغم من إمكانياته المادية المتواضعة.

عقار واع بأن الإمكانات المادية لا تساعد على أداء كلّ ما هو منتظر من الاتحاد. يقول: «من هنا ذهب تفكيرنا إلى عقد اتفاقات مع اتحادات ومنظمات خارجية، الغرضُ منها تشجيع وترجمة الأدب المغربي إلى اللغات الأجنبية ومنها الأسبانية، التي تم إنجاز بعض الأنطولوجيات فيها».

ولمن يشاء أن يتتبع أعمال الاتحاد ونشاطاته، فلا بد أن يقرأ بكثير من المتعة ندوات الاتحاد ومنشوراته أيضا، وهي بالمناسبة من أفضل المنجزات التي يحققها اتحاد كتاب عربي (مستقل وحريص على استقلاليته)، ومن بينها، على سبيل المثال، ندوة «دون كيخوطي» والملتقى العربي حول المرأة والكتابة و«الكتابة النسائية التخييل والتلقي» وغيرها من الندوات، ومن تكريم كتاب (محمد برادة) أو المشاركة في تكريم (أحمد المنيعي) وإصدار العديد من الكتب والأعمال للكثير من الأدباء المغاربة، شبابا كانوا أو مكرَّسين. نه الشيء الذي ظل يؤرق «السي» عبد الحميد عقار، وأنا أودعه، هو الحفاظ على الاتحاد كرافد من روافد الثقافة الوطنية والدفاع، بقوة، عن استقلاليته عن القرار الرسمي.

محمد المزديوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى