السبت ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم علاء الدين حسو

التحدي

همس فواز في إذن أخيه عبد الرزاق :
  سأصبح مدير الشركة.
حدّق عبد الرزاق في وجه فواز وبصق سيجارته المحروقة في الحفرة وصرخ:
  أسرع علينا إنهاء الحفر قبل أن تحرقنا شمس الظهيرة.

مسح فواز عرق رقبته بطرف كمه ،و ابتلع الماء من عبوة بلاستكية لفّحت بقماش كتان قصّ من كيس لتخزين القمح . مراقبا المدير الذي ترجل من سيارته، وابتسم لمّا رأى هرولة المحاسب فقال لأخيه:
 انظر إليه ..لقد وصل لتوه ..المحاسب يركض مثل الكلب.كالعادة سيصرخ و(يبهدل) ثم يذهب.
سأصبح مديرا بدلا منه ..أنا أطول منه وأقوى منه وصوتي أعلى من صوته..

ضرب عبد الرزاق فأسه في أرض الحفرة فارتد إليه فترك الفأس وقال لفواز:
  دع المدير وجرب قوتك في قلع هذه الحجرة.
دنى فواز ببطء ممل نحو الحجرة ..انحنى نحوها، نكش من حولها التراب بأصابعه السمينة القوية حتى تمكن من مسكها، فقلعها بقوة، وقذفها خارج الحفرة التي ستصبح أساسا لصالة إنتاج جديدة لشركة الغزل الخاصة .
قال مراقبا المدير الذي كان يتحدث مع المحاسب والحارس:
  أتحدى إن كان هذا المدير قادر على قلع بحصة وليس حجرة مثل هذه.
وعاد ينظر الى أخيه المشغول بتنظيف الحفرة وتابع :
  مادام الخوف منه يجعله مديرا ويحترمه الناس سأتغلب عليه عندها سأكون أنا القوي.
توقف عبد الرزاق عن ملئ السلة بالتراب المحفور واشار الى السماء :
  الشمس ستصبح فوقك عندها لن تحصل على أجرتك اليومية..أتظن كل شيء بالقوة..هيا

التفت فواز نحو الجهة البعيدة التي يقف فيها المدير مع المحاسب ، وانتبه الى شخص أخر يهرول نحو المدير عرفه من هرولته فقال لأخيه :
  ولما يخافه المحاسب ويركض الحارس لفتح بابه ..حتى معلمنا المهندس يركض نحوه ومتأكد انه الآن محمّر الوجه وانه خبأ سيجارته عندما ركض لعنده .

شدّ عبد الرزاق ذراع أخيه وقال مهددا:
  إن لم تعد الى عملك سأخبر المهندس عما تفكر فيه عندها سيحرمك أجرتك..

عاد فواز الى عمله، بدأ يحفر مخلفا التراب الذي يجمعه عبد الرازق ويرميه خارج الحفرة ،محدثا ساترا سيتم ترحيله بعد الانتهاء من الحفر،وكاد يُكمل لولا سماع صوت أخيه:
  أرأيت لقد شعر المهندس.. ها هو يأتي صوبنا..قلت لك لا تتلكّع ..

لم يكترث فواز وراح يضرب أرض الحفرة بقوة أوقفها صوت المهندس الذي اقترب منهم:
  فواز..
توقف الأخوان وطفقا يراقبان اقتراب المهندس الذي دنى منهم وجثى قائلا:
  فواز نحن بحاجة الى عضلاتك ..هيا تعال .

نظر فواز الى أخيه نظرة الفارس المنتصر، ووثب كفهد من الحفرة، ولحق بالمهندس بخطى تقدر على سماع صوتها ، كل خطوة تّذكره بالخطة التي ينتظر الفرصة المناسبة لتنفيذها، وهي خطة ناجحة نفذها أكثر من مرة في قريته ..ففي أيام الطفولة ضرب أستاذه لأنه صفعه ،صحيح أنه طرد من المدرسة و لكنه كسب احترام أطفال القرية !..وبقوته حصل على ابنة عمه، ولم يجرؤ أقاربه على تحديه ! ..وفكر بأن هذا أول لقاء مع المدير عن قرب، وجها لوجه.. سيقوم بصفعه، ومن ثم الضرب على خاصرته، بعدها يسقطه على الأرض ويجلس فوقه، فيحصل منه إدارة الشركة.. عليه كسر عين المدير من أول لحظة .. ها قد جاءت الفرصة....قد يجرب الخطة الأسهل ،وهي عندما يقترب من المدير و يمد يده لمصافحته، سيعصر يد المدير حتى يجعله يركع متوسلا الرحمة ولن يدعه حتى يضمن له البيعة .

تلقى فواز أول صفعة لما شم رائحة عطر المدير القوية ، فقد أحس بأن خطته تعرضت للفشل. الرائحة سبقته ودخلت انفه . هجمت على أوكار أفكاره فذبحتها .
تلقى صفعة أقوى عندما تجاهله المدير لما مد يده لمصافحة المدير، والذي اكتفى بتفحص فواز من قمة رأسه حتى أخمص قدميه وقال للمهندس:
  أهذا هو ؟
  نعم .
  حسنا ..اسمع يا بني خلف السيارة رافعة ثقيلة، تعذّر نقلها بالسيارة بسبب الحفر ..لك خمسمائة ليرة مكافأة إن استطاعت حملها..
  انه بطل يا أستاذ
رد المهندس عوضا عن فواز الذي شعر بأن أصابع المدير التي تحمل سيجارة ثخينة أقوى من اصابعة التي تحمل الفأس . دون أن يجيب اتجه خلف السيارة، تطلّع إلى الرافعة فقدّر وزنها مثل كيس دقيق القمح أو كيسين وانتبه لصوت المحاسب:
  هذا يومك فواز تبرهن للمعلم قوتك والمكافأة أجرة يومين .
نظر فواز إلى الرافعة، ومسح عرقه بطرف كمه، فانتبه لنتانة رائحة عرقه وتشجع لما سمع المهندس يقول:
  إنه أقوى رجال قريتهم..
  إذا دعنا نرى قوته .
  تكرم أستاذ .
الجملة الأخيرة خرجت من فم المهندس أيضا، و أمر فواز بعينيه فقام فواز بحمل الرافعة فسمع المدير:
  عظيم..انتبه يا ابني إياك أن تسقطها واتبعني..

تحرك المدير بخطى سريعة ،لحقه المحاسب ، وجرّ فواز رجليه يحاول اللحاق بهما،الآن أحس بحرارة الشمس ،وثقل الرافعة، وتحسّر لعدم مقدرته على اللحاق بالمدير لسماع ما يقوله للمحاسب ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى