الأربعاء ١٩ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

الأدب في خطر !

(الأدب في خطر) هذا هو عنوان كتاب الناقد الفرنسي المعروف تيزفيتان تودروف الذي ينبهنا بقوة إلي أزمة الأدب المعاصر التي تنذر حتى (بزوال القراءة في الأجل القريب). والخطر الرئيسي الذي يهدد الأدب هو تلك النظرة الشائعة التي فصلت العمل الأدبي – بطرق مختلفة – عن دوره الاجتماعي.

أهمية هذا الحديث تأتي من أن صاحبه ناقد يقف على طول الخط ضد الأدب الدعائي، والعقائدية، والواقعية الاشتراكية، بل والماركسية، لكن تلك الخصومة لا تمنعه من التنبه والتنبيه إلي الركيزة التي قام عليها كل أدب عظيم وهي صلة الأدب بالعالم الموضوعي الخارجي.

 والخطر الذي يحدق برسالة الأدب يأتي من(الشكلانية) التي ترى أن دور الأدب هو العناية أولا بالبناء المبتكر وطرائق توليد النص والأسلوب والأشكال السردية وباختصار التركيز على التقنية بكافة وسائلها.
 المصدر الثاني للخطر هو النظرة الفلسفية العدمية التي ترى أن تغيير الواقع والعالم أمر مستحيل، وأن الحقيقة الوحيدة الباقية هي ذات الكاتب الذي تسوقه نرجسيته إلي أن يصف بأدق التفاصيل أدنى انفعالاته وأتفه تجاربه الجنسية وذكرياته الأشد سطحية لأنه بقدر ما يكون العالم منفرا بقدر ما تكون الذات جذابة! ويقول(تودروف) إنه من السهل العبور من(الشكلانية) إلي (العدمي)، أو العكس، أو ممارسة الاثنين معا في وقت واحد.
 المصدر الثالث للخطر هو ما يسميه الناقد بنزعة (الأنانة) أي القول بأن " الأنا الذاتي " هو الكائن الوحيد الموجود! هذه الاتجاهات التي قطعت الصلة بين العمل الأدبي والمجتمع برزت كأقوى ما يكون في مدارس مثل " البنيوية " و" التفكيكية " التي قامت على بتر العلاقة بين الأدب ودوره الاجتماعي فأصبح العمل الأدبي: " معروضا باعتباره موضوعا لغويا مغلقا، مكتفيا بذاته، مطلقا.. باعتباره مجرد علاقات بين أجزاء العمل الفني وعناصره "، وكأن: " رفض تسخير الأدب والفن للأيديولوجيا يستلزم بحد ذاته تلاشي كل صلة بين العمل الفني والعالم ".

ويؤكد " تيودروف " أن الأعمال الأدبية تحيا دائما ضمن سياق وفي حوار معه، ولهذا لا ينبغي للوسائل أن تصبح غاية، ولا للتقنية أن تنسينا الهدف من العمل.

ويوضح الكاتب أن علاقة الأدب بالعالم الخارجي كانت مؤكدة بقوة منذ أن ظهرت " النظرية الكلاسيكية للشعر " عند أرسطو الذي اعتبر الأدب " محاكاة للطبيعة " وأن وظيفته – حسب هوراتيوس – هي " المتعة والفائدة "، لكن العصور الحديثة زعزعت هذا التصور أولا بالتركيز على صورة الفنان المبدع الذي ينتج أعمالا متناسقة منغلقة على ذاتها وتكتسب أهميتها من اتساقها وليس من علاقتها بالحياة ، وثانيا بالتركيز على أن دور الفنان ليس محاكاة الطبيعة ولا الإفادة والإمتاع، بل إبداع الجمال، والحال: " أن الجمال يتصف بكونه لا يفضي لشيء يتجاوز ذاته ".

ومع ذلك فإن مفكرى القرن 18 حين جعلوا من الجمال معيارا أساسيا للحكم على الأد، لم يسعوا إلي قطع الصلة بين الأدب والعالم، لكنهم فقط حولوا مركز الثقل من " المحاكاة " إلي " الجمال. لكن القطيعة بين الفن ودوره الاجتماعي وصلته بالحياة والواقع تمت في مطلع القرن العشرين مع رواج الدعوة القائلة بأن هدف الفن الحقيقي هو: " إبداع الجمال " بكل ما يعنيه ذلك من استبعاد أي بعد معرفي للعمل الأدبي. وأصبح نموذج العمل الفني هو ذلك الذي حدده كارل فيليب بقوله: " لا ينبغي للعمل الفني أن يتحدث عن شيء خارج عنه، لا ينبغي أن يتحدث إلا عن نفسه، وكينونته الداخلية، ينبغي أن يصير دالا بنفسه .

ويعتبر الناقد الفرنسي أن السقوط في فخ " الشكلانية " هو الوجه الآخر للسقوط في فخ الأيديولوجيا والأدب الدعائي، فكلاهما يمثل طريقا مسدودا، وأن علينا أن نستفيد من كل إنجازات المدارس الحديثة على أن نذكر دائما " الهدف " من العمل الأدبي، وارتباطه بالمجتمع وبسياقه التاريخي. الأدب في خطر، وليس أدل على ذلك من إشارة " تيودروف " إلي القطيعة الظاهرة بين الأدب الجماهيري وأدب النخبة الذي يقرأه المحترفون فقط من الأساتذة والنقاد والكتاب.

يختتم " تيودروف " كتابه الهام بتساؤله: " أليس من مصلحتنا أن نحرر الأدب من القيود الخانقة المصنوعة من ألعاب شكلانية وشكاوي عدمية وتمركزا أنانيا على الذات؟.
وأضيف أن تحرير الأدب من تلك القيود يخدم أول ما يخدم الأدباء أنفسهم.

الكتاب صادر عن دار " توبقال " المغربية، ترجمه عبد الكبير الشرقاوي الذي يستحق التحية لاختيار الكتاب وللترجمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى