الاثنين ١٧ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم بسام الهلسة

الـدولـة المفتـرســة

يستخدم لاري دياموند في مقالته الأخيرة "التراجع الديمقراطي" المنشورة في مجلة "فورن افيرز" تعبير "الدولة المفترسة"، الذي يذكرنا بتعبير مألوف لنا نحن العرب منذ أن استخدم الفقهاء مصطلح "الملك العضوض" لوصف الدول المتعاقبة التي تلت عهد "الخلافة الراشدة"، ولم يستثنوا من هذا الوصف سوى فترة محدودة جداً هي عهد الخليفة العادل "عمر بن عبدالعزيز".

لكن دياموند يحصر تعبيره بالدول التي تمارس التعديات على شعوبها، ولا يمده ليشمل الدول التي تفترس غيرها من الدول والشعوب كالذي تفعله أميركا وإسرائيل.. وكأن كون دولة ما تتبنى نظاماً ديمقراطياً، يمنحها تفويضاً بالعدوان على الآخرين باسم تعميم التمدن والتحضر كما جرى في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أو باسم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يجري الآن.

اعتراضنا هذا على حدود التعبير ونطاق استخدامه، لا ينبغي أن يحجب عنا رؤية ما ينطوي عليه من فهم محرض على التبصر في الواقع المر الذي تعيشه بلادنا المبتلاة بالمفترسين من كل شاكلة: غزاة أجانب أو طغاة محليين... فإذا كان الغزاة يصادرون سيادة ووطن وموارد وهوية الأمة، فإن الطغاة ينهبونها ويستغلونها ويصادرون حقها في الاختيار.

وقسم منهم لا يكتفي بالعمل لحسابه وحساب الفئة الحاكمة معه فقط، بل يتعداه ليتعاون مع المحتل والناهب الأجنبي على قهر واستنزاف أمته وشعبه، كما فعلت إمارتا "المناذرة" و"الغساسنة" التابعتين من قبل.

ولكي لا نسلك مسلك "تبرئة الذات" الذي يلقي بالتبعات على الآخرين فقط، فإننا نؤكد على مسؤولية الشعوب تجاه ما يحل بها وما تعانيه جراء تهاونها (وتواطؤها في بعض الاحيان) في الدفاع عن حقوقها وفي المطالبة بها.. مما يمكن المفترسين من استباحتها واستعبادها فيما هي (أو أغلبيتها) تتفرج بلا مبالاة أو تكتفي بالتذمر والشكوى والندب، مدللة على ما وصفه المفكر الجزائري الراحل "مالك بن نبي" بـ"قابلية الاستعمار"، التي نضيف لها "قابلية القهر والاستغلال" التي تلبست الشعوب العربية منذ أسلمت نفسها للمتغلبين الذين اقصوها عن المشاركة في إدارة الشؤون العامة واستبدوا بها كشأن خاص بهم.

ومع تطاول العهد صار ما يحل بشعوب الأمة من إذلال واستخفاف وبطش وعسف، أموراً معتادة تضاءلت معها مشاعر ومعاني الكرامة والحرية والمساواة والعدل والنجدة، التي تحفز الناس وتحركهم لرفض الظلم ومجابهته.

وغرقت الأغلبية في لجة المشاغل والحاجات الأنانية والشؤون الخاصة (الشخصية والعائلية والعشائرية والجهوية والطائفية).. تاركة "مجال الشؤون العامة" للمتغلبين المفترسين ليعبثوا فيه –وبها- كما يشاؤون.

وهو جزاء ستظل تدفعه وتعانيه حتى تكف عن لا مبالاتها وتهاونها، وتنهض بعزم لنيل حقوقها المبددة والمستلبة، وتقوِّم ميزان العدالة المائل، إن أرادت حقاً أن لا تظل فريسة للمفترسين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى