الخميس ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٨
من دفاتر حرّاق
بقلم عبد اللطيف النكاوي

الى الحرّاقة الصغيرة سارة

القانون في بعده الأساسي جهاز من القواعد والضوابط المنظمة لمختلف علاقات المواطن داخل مجتمع معين. روح هذا الجهاز هي السهر على راحة وسلامة المواطن وأمن الوطن والمواطن. ولكن تجربة الانسان عبر التاريخ أثبتت أن سلطة القانون لا تقوم إلا بنسبة معينة من الرخاء الاقتصادي والاجتماعي. فمتى نما مستوى المعيشة لافراد المجتمع ازدادت حرمة القانون وسلطته. ولكن متى تدهورت أوضاع الناس وتقلصت سبل عيشهم ازدادت الحاجة الى القانون بازدياد الرغبة في الثورة والتمرد عليه. ومصداقية كل قانون بمدى مطابقته لمصالح وحاجيات المجموع. وسلطته مرهونة، في بعض جوانبها، بسلطة الخير واسباب العيش الكريم. واسباب العيش تعني فيما تعنيه اسباب الفهم والدراية بالقانون ومراميه. فتطبيق القانون على من يجهله ولا يدرك ضوابطه ومشروعية وجوده هو نوع من الظلم في حق المتهم وخاصة اذا تعلق الامر بجوهر الحياة واساسها: الكرامة. وكرامة الانسان في رزقه وعيشه وحريته.

يقبل المواطن منا منذ بضع سنين على مغامرة امست صرخة مدوية في نفق المعاناة الانسانية المظلم وعلامة شاهدة على خلل عظيم في عالمنا. مغامرة أغنت العربية بدلالة جديدة لفعل "حرق" القديم وكشفت عورتنا على خواء في الجيب وفي النفس وفقر مدقع.

انها مغامرة المواطن "الحرّاق" في سبيل الكرامة وضد وطن عاجز عن حفظها وتوفير الشروط الضرورية للاحساس بها.

أيحق لوطن أن يحاكم واحدا من أفراده تجرع مرارة الذل والاهانة وخطر المغامرة من أجل حفظ كرامته والوصول الى سبل عيش كريم؟

هذا ما فعله ويفعله الوطن الكريم بلا حياء ولا حشمة.

عرف الكثير من الحراقات والحراقين المغاربة في فرنسا وغيرها من البلدان الاوروبية تسوية لوضعياتهم القانونية خلال الآونة الأخيرة. لا أحد يتصور فرحة الحراق والحراقة بحق الخروج من السر الى العلن ومن نظام المنفى الجديد الى نظام الهجرة. هي فرحة الفرج وامكانية العودة الى البلد لرؤية الأهل والأحباب. ومن الحراقين والحراقات من قاسى ألم الفراق لسنوات بل لعقود عاصر خلالها كل حملات التسوية، منذ بدأ المجتمع الفرنسي يعترف بسكان منطقة الظل والأنفاق أي مع وصول الاشتراكيين الى الحكم سنة 1981. .

يفرح الحرّاق كما الحرّاقة ومعهم، أحيانا كثيرة، أولاد وررثوا عدا النسب واللقب آفة الحرق والاحتراق، لينتفض حارقا المسافات قافلا الى الوطن بعد أن تفضلت عليه دولة اقامته الجديدة ومنفاه القديمة ب"سكوك الغفران". ويأبى الوطن باسم المواثيق والمواعيد وحفظ ماء الوجه إلا أن يرفع عقيرته مطالبا ومحاكما بتهمة الحرق، راجعا بالحراق الى ذكريات قوارب الموت والعار.

ولا يكتفي الوطن بالتعنيف والعتاب بل يقيم الجلسات القضائية ليترافع المترافعين وليأتي الحكم حارقا للحنين ولهفة اللقاء: شهر سجن مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها أربع مائة درهم.

قد يجد البعض لمثل هذا الحكم كل الأعذار والحجج القانونية ولكن لندع القانون جانبا ونسائل هذا الحكم أخلاقيا ولنحاول أن نلبس ولو للحظة جلباب هذا المواطن أو المواطنة.

اقتصت فرنسا من الحرّاق ضريبة التسوية وتلافت المعاقبة بالحبس. واذا كان مقابل الضريبة الفرنسية هو التسوية القانونية فما هو المقابل الذي يقدمه الوطن لهذا المواطن العائد من أنفاق الموت غير تذكيره، ربما، بأنه مغربي ولأنه مغربي خاطر بنفسه مقابل ورقة اقامة تضمن له بعض العيش عندما عجزت أوراق مغربيته أن تستر عورته وتحفظ كرامته.

ويقفز الى السطح الوجه الآخر للوطن لتكتمل الصورة وتنفتح الجراح لتنزف غيضا وكآبة. أيفلح هذا الوطن في ستر عورته بغربال؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى