الخميس ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٨

المثقف والعسكرى !!

بقلم: د. حمدى الجابرى

عرفت بول شاؤول شاعرا وناقدا موضوعيا يٌكسب ما يتناوله بالنقد الكثير من القيمة ليضعه فى مستوى النقد وليس دونه حتى ولو كان كذلك .. فكتاباته النقدية فى الأدب والمسرح وغيرها تضفى على موضوع نقده الكثير من القيمة والإبداع النابع من روحه وإبداعه كشاعر يتمتع بالثقافة والدراسة والمعرفة وأيضا الإيمان بأن ما يكتبه ليس مجرد " سد خانة " لإرضاء صديق أو جماعة مهما كان حجمها ونفوذها وقدرتها ولذلك عاش حياته كناقد محل تقدير وإحترام كل من يتعامل معه وأيضا محل خشية أنصاف المبدعين وأصحاب المناصب الذين كثيرا ما حاولوا التقرب منه ولكنه فضل عليهم مسرحى شاب أو شاعر جديد يبشر بأمل فى المستقبل فترك الحفلات وتجمعات المصالح والنفاق ليسير فى شوارع القاهرة مثلا مع مجموعة أقل شأنا من الناحية الرسمية وإن كانت أعلى قدرا قيمة وقامة من الكثير من أصحاب السلطان والنفوذ من القادرين على المنح والعطاء فليس لديهم جميعا من يمكن أن يضيفه إليه كشاعر وناقد صاحب رأى وموقف فى الحياة وليس فى مجالات الإبداع المختلفة وحدها ..

لذلك كنت أتصور دائما أن يقع بول شاؤول فى بعض المتاعب الصغيرة مع بعض القيادات الثقافية هنا أو هناك .. أما أن تستفز كلماته قيادة عسكرية سابقة وليس فقط مجرد رئيس سابق فإنه الأمر الذى دفعنى مجددا للعودة إلى التفكير فى مدى سيطرة العسكر على الحياة الثقافية بل وعلى الحياة السياسية فى عالمنا العربى وإن كنت فى نفس الوقت أغبط بول شاؤول على أن الجنرال العسكرى قد فقد آلته العسكرية منذ زمن بعيد والحمد لله وإلا حدث مالا تحمد عقباه إذا ما كان موقفه هذا من مقال نقدى كتبه شاعر لا يملك إلا خياله والصورة الشعرية الجميلة لتجسيد رؤيته لحالة أو موقف سياسى أو إجتماعى وما أكثرها فى لبنان .

ويبدو لحسن الحظ أن إقامة الجنرال الطويلة فى باريس قد خلصته بعض الشيىء من التفكير كعسكرى وإن لم تكسبه بعض ما فى فرنسا من ديموقراطية تقوم على إحترام حرية الرأى والتعبير وإن كنت فى نفس الوقت أحمد للجنرال عدم اللجوء إلى التصرف المعتاد فى الحياة السياسية اللبنانية تجاه رجال الصحافة والإعلام كسمير قصير وثوينى وشدياق وغيرهم .. فعلى الأقل الرجل أو الجنرال تصرف تصرفا حضاريا تجاه ما تصور أنه " سب وقذف فى حقه" فلجأ إلى القضاء الذى أتمنى ألا يتأثر بقوة وجبروت العسكرى أمام رقة وخيال الشاعر ليعيد للكلمة إحترامها وتقديرها التى حاولت السلطة العسكرية عبر العصور تقزيمها وتحجيمها ولو بقتل أصحابها أو لمس المسدس كما قال جوبلز عندما يسمع كلمة ثقافة فالعداء تقليدى بين الحرية والإبداع والعسكر خاصة الذين لا يؤمنون بهذا العالم الجميل والأبدى البقاء وإلا فليتذكر أحد أى قائد عسكرى ليس فى قامة الجنرال بل فى قامة من هم أكبر منه بكثير فى أى عهد من العهود القديمة التى لا يتذكر العالم منها إلا الشعراء والنقاد وأصحاب الإبداع الذين أفادوا البشرية بالقطع أكثر مما أفادتها كل جحافل هؤلاء العسكر .. أيضا عبر التاريخ .. ولن نتحدث عما فعله العسكر فى عالمنا العربى وهو ليس بالقليل !!

والغريب أن رد الجنرال على الشاعر والمتمثل فى ردَّ المكتب الإعلامي الخاص به فى بيانه المعلن حول الموضوع قد أكد على أنه ضد "من يدّعي الثقافة" ويعتمد على "الشتم و العواء" وهو ما يضع الجنرال تحت طائلة القانون لأنه " سب " صريح لمبدع كبير ..بينما لم يذكر الجنرال فى بيان مكتبه الإعلامى الألفاظ الخادشة التى إعتقد أنها تشكل مساسا به كما يقضى القانون..

ويبقى أن نحمد الله على أن الجنرال قد لجأ إلى القانون وليس إلى قوته العسكرية التى أحمد الله على ضياعها أو إنتهاء صلاحيتها بفعل الزمن والتاريخ الذى سيظل يذكر ما فعله العسكر بحياتنا كما سيذكر للمفكرين والنقاد والفلاسفة خدمتهم للبشرية بداية من سقراط وليس إنتهاءا ببول شاؤول الذى من المحتم أن يبرئه القانون ليس فقط لأن الجنرال شخصية عامة يحق تناولها بالنقد المباح قانونا ولكن أيضا لأن كل إنسان سواء أكان جنرالا أو شاعرا أو ناقدا تقبع خلفه قائمة طويلة من الأفعال التى تشكل مجمل ملامح تاريخه الذى يقف إلى جانبه أمام الله والناس ولو فى المحكمة.. محكمة الحاضر أو المستقبل .. اللبنانية أو العربية .. فلا مهرب لأحد من ماضيه حتى ولو كان عسكريا !!

بقلم: د. حمدى الجابرى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى