السبت ٢٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم هشام بن الشاوي

بيتٌ لا تُفتحُ نَوافذُه

مـهــداة إلى: وحـيـد حامــد

يرتعش جسدي تحت رشاش الماء البارد.. يتناهى إلى مسامعي آذان الصلاة الوسطى...

يتجه عبد الله، جارنا الكهل الملتحي إلى المسجد وحيدا.. تعكس ملامحه صفاء دواخله.. تراودني ابتسامة شقية حين ترن في أذني عبارة أحد ركاب الحافلة، متسلقي الأكتاف:" لم لا تتزاحمون هكذا في المساجد؟! "

تحت جنح الظلام، وفي خلوتنا السرية.. يكون الضحك سابعنا، وصلاتنا الوحيدة.. يتساءل أحدنا ضاحكا:

 لماذا يرهق جارنا عبد الله نفسه في الذهاب إلى المسجد وحيدا؟ لم لا يصلي كالآخرين في أحضان زوجاتهم فقط؟؟

 أشفق على زوجته.. المحرم عليها أن تطل من الشباك.. هذه المهرة لا يستحقها ناسك رهباني... يا تارك الصلاة!

 كل همه الوضوء الأصغر وينسى الوضوء.. الآ..خ.. ر!!
تلعلع قهقهاتنا..

 من منكم يعرف متى تذهب إلـى الحمام كبـقـيـة النساء؟!

 عليك اللعنة... لا تفكر إلا في القذارة أيها المتعفن؟؟

ونغرق في الضحك ودخان السجائر الملغومة...

يرن هاتفي الجوال مؤذنا بوصول رسالة قصيرة.. أرفض أن يقرأوها معي.. ينسجون ألف حكاية وحكاية.. متهكمين. لا أريدهم أن يعرفوا أني مغرم بأخت جارنا عبد الله...!

 أنت الوحـيد الـذي طال ارتباطي به، لأنك لست ملوث التفكير كبقية التماسيح؟؟

أشير بيدي إلى شفتي، بنبرة نجوى أهمس: " ألا أستحق...؟! "، تطوقني بذراعيها، ونغرق في عناق الشفاه...

 ما ذا سيحدث لو رآنا " اللحية" أو أمك هكذا؟!...

 سيطردونني من البيت ولا مكان لي...؟؟

يلمع ابتسام عينيها، وتأسرني شامة بين حاجبيها..

 أريدك ألا تنساني.. وألا تمحى صورة وجهي من ذاكرتك..

لا أنبس ببنت شفة، و أرنو إلى تقاسيم وجهها بعينين متعبدتين.

 لقد قررت أن أتزوج ذلك الأرمل، رغم معارضة الأسرة.

 سأعتـبرك انتحرت إن فعلتها، سأنساك وأخرجك من قلبي إلى الأبد...

 تعبت... تعبت من الاستيقاظ باكرا كل يوم، ومن مضايقات العمل والمواصلات.. أليس من حقي الاستقرار؟!... أختي الأصغر مني تزوجت وأنجبت...!!

أكفكف دمعها بأناملي، وترتمي في حضني...

"إبراهيم... يا صديق الطفولة! هل أنا نذل مثلك؟!

ومثلك لا يؤتمن يا فيلسوف جماعة الحشاشين النبلاء.. ألست صاحب نظرية " الغريزة الجنسية أقوى من قانون الجاذبية "!!؟؟ ".

لم أعد أسمع ما تقول ولا أعي بما أتفوه، حين هاتفتني مساء تشتكي من تصرف إبراهيم، من فوق سطح بيتنا، في غيابي، زوالا... وجوده في بيتنا مألوف، لكن أن يشير إلى ابنة جارنا عبد الله، المراهقة المحتجبة... فهذا مما لا يمكن التغاضي عنه... للتو، توجهت إلى بيتهم مثل زوبعة، طلبت منه أن نتحدث على انفراد، بعيدا عن بيتهم.. وبلا مقدمات، طلبت منه ألا يطرق باب بيتنا...

 لماذا؟ وما هذه اللهجة الجديدة التي تخاطبني بها...؟

 هل انقرضت النساء لتكشف عن أسفلك لابنة الجيران، وفي بيتنا...؟

 أنا لو كنت مكانك ل(...)هما سوية.. العمة وابنة أخيها...

أقول في نفسي:" إذا كنت أحب عمتها، فأنا أشتهيها في الخفاء.. دون أن أجرؤ على البوح بما يخالجني، فشتان بين مراهقة في ربيعها الخامس عشر.. بدرية المحيا، غضة الجسد، و امرأة ثلاثينية... وأتعذب في صمت، دون أدنى إحساس بالذنب أو معرفة سر هذه الغيرة الغريبة؟؟".

أغادر برج صمتي، وأصرخ في وجهه:

 إبراهيم... ليس ذنبي إن تحرش بك جنسيا فقيه الكتاب، في صباك ولم أطلب من أمك أن ترقص في عرس بدوي حتى الغيبوبة! ولست القدر حتى تحاسبني على عجز أبيك، الملازم للكرسي المتحرك منذ عشرين عاما.. ولست ذلك البدوي الذي رأيت أمك تتأوه تحته، وأنت تبحث عنها باكيا بين النسوة... لست مسؤولا عن عقدك النفسية يا فيلسوف آخر زمن!

ينسحب من أمامي كسيرا، والدمع يكاد يطفر من عينيه...

أغادر الحمام السطحي، أجفف جسدي بالفوطة تحت شمس لاهبة.. ينتابني ما يشبه الخجل من عريي، لا شعوريا، أرفع بصري إلى نافذة المطبخ، المقابلة لسطح بيتنا.. تصطدم عيني بزوجة جارنا الملتحي، الصارخ جسدها فتنة وأنوثة.. تحاصرني بنظرات مخدرة تمطر دهشة واشتهاء...

تختفي، توارب النافذة، تلتفت خلفها، وتسعيد لذة تلصصها.. الخفي بطرف عينها... وأقل من سنتمتر واحد، يفصل انغلاق النافذة عن انفتاحها.. من خلفه يلوح منديلها الوردي فاضحا كل شيء.

تنغلق النافذة الصغيرة، تسدل الستارة فأدرك أن زوجها قد عاد من المسجد..

أهم بمغادرة بيتنا.. تسألني أمي عن سبب انقطاع إبراهيم عن زيارتنا...

 هل تشاجرت معه لأنه نجح في الامتحان؟!

لم أنبس بكلمة..

كلما تذكرت امتحان الشرطة الشفوي، تخشب لساني، وماتت الكلمات في داخلي.. واقتنعت بلا جدوائية أن نتكلم أحيانا.. كيف أنسى أن إبراهيم صار يتباهى ببذلة الشرطي، وبأربع كلمات لا أكثر... وبوصوليته التاريخية: "سأذبح الكلبة التي أنجبتهما "!!؟؟

لم أكن أتوقع أن يوقعني حظي العاثر بين يدي ذلك الضابط الوغـد دون بقية زملائه.. انتابني إحساس داخلي بالنفور منه، لا يقاوم.. من أول نظرة! ألقى في وجهي سؤاله كقنبلة موقوتة، وهو يطوقني بنـظـرات ذئبية:" ماذا تفعل.. إذا دخلت البيت، ووجدت أمك...؟؟ ".

وجدتني مصدوما... أستحضر مدرس مادة التربية الإسلامـية فـي الـصف الإعدادي، كان حليق الذقن، وسكيرا... و دائما يردد: "كن بارا بأمك حتى لو رأيتها تزني..!!". نلوذ بالصمت، في حضرة أستاذ متجهم أبدا.. لأننا لم نكن نفهم شيئا... فما علاقة لازمته الشهيرة بمقرر السنة الدراسية؟ وفي باحة المدرسة يعلق أحد ظرفاء الفصل: "مدرس التربية الإسلامية يسكر لأنه حفظ درس طاعة الوالدين بحذافيره، (ويقلد نبرته الجادة وعبوس وجهه) يا حمزاوي، اسكر.. لأنك رأيت أمك تزني، لأن أباك استشهد في حرب رمضان المجيدة!!".

من هول صدمة أن أتخيل أمي: امرأة – كبقية النساء- تفتح فخذيها و.. في حضن رجل آخر!!! لم أحس بذلك الضابط الوغد، وهو يدفعني في غلظة خارج مكتبه:" اغرب عن وجهي، أيها المتخنث..!!".

أتأمل وجه أمي المشرق براءة ورقة، دون أن أجرؤ على النظر إلى تفاصيل جسدها.. يتناحر فـي داخـلي ألف سؤال وسؤال.. في حجم الدهشة وبطعم الألم!

أصـفــق الـباب خلفي في عنف، ولأول مرة لا أرفع عيني إلى نوافذ لا تفتح...

مـهــداة إلى: وحـيـد حامــد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى