الثلاثاء ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
اصلاح التربية في الوطن العربي: عودة إلى الأساسيات
بقلم تركي بني خالد

الحلقة الثالثة: إعداد المعلم العربي وتأهيله

لقد ركزت في الحلقتين السابقتين على المعلم باعتباره أحد أهم الأساسيات في عملية إصلاح الفساد التربوي الحاصل الآن، ولقد عنونت مقالي الأول: المعلم أولاً ومقالي الثاني: المعلم الجديد، وسيبقى المعلم أولاً وثانياً وثالثاً في عملية إعداد المواطن العربي الصالح للحياة. وسيبقى الفساد متفشياً في التربية العربية ما لم تتم العودة إلى الأساسيات، وما لم تتم الإجابة عن الأسئلة الصعبة.

وفي هذه الحلقة سأتناول جانباً مهماً في عملية الاصلاح المنشودة وهي عملية إعداد المعلم العربي وتأهيله للواجب المطلوب منه. والسؤال الأساس هنا كيف تتم عملية تحضير المعلم العربي لممارسة مهنته النبيلة؟ وكيف يتم اختيار المرشحين للالتحاق بالمهنة. وماذا يحدث للمعلم عندما يلتحق بمدرسته ويدخل على تلاميذه؟ وكيف تسير عملية النمو المهني للمعلمين، إن حدثت فعلاً

أريد أن أسأل إن كان المعلم العربي قادراً على مواجهة متطلبات القرن الحالي. وأريد أن أتأكد إن كانت هناك محاولات جادة لإصلاح هذا الجانب الهام من الجسم التربوي المترهل. وأود أن أعرف متى كانت آخر مرة اجتمع فيها وزراء التربية والتعليم العرب لمعالجة الوضع التربوي المتأزم. وأتمنى لو اتيحت للقارئ العربي فرصة الاطلاع على أية استراتيجية وطنية أو قومية للنهوض بالتعليم العربي، وخاصة فيما يتعلق بأوضاع المعلم العربي.

أتساءل إن كان من الممكن التحدث هنا عن شيء أريد أن أسميه بالأمن التربوي، وإن كان من الممكن اعتبار هذا الأمن جزءاً من منظومة الأمن العربي الشامل. هل يهدد الفساد التربوي الحالي حاضر الأمة ومستقبلها؟ هل الأمة في خطر؟ وما موقع المعلم العربي ودوره في التصدي لهذا الخطر؟

من هي الجهات المعنية بإعداد المعلم العربي وتأهيله وضمان جودة أدائه؟ هل هي وزارات التربية والتعليم أم هي الجامعات أو معاهد التعليم العالي وما بعد الثانوي؟ هل هي كليات التربية وما بات يسمى بالعلوم التربوية؟ هل هي معاهد المعلمين إن وجدت؟ هل هي كليات المجتمع المتوسطة، هل هناك كليات معلمين متخصصة بإعداد المعلمين إسوة بكليات الطيران والهندسة والطب وغيرها؟

من أين يأتي المعلمون؟ وكيف يصبح المعلم معلماً؟ هل هناك رخصة لمزاولة المهنة؟ ومن هي الجهات التي تصدرها؟ من يدرب المعلمين ويعنى بتزويدهم بالمعارف والمهارات قبل الخدمة وفي أثناءها؟ ما هي طبيعة برامج إعداد المعلمين في الوطن العربي؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تقود إلى تساؤل كبير وهو هل يمكن اعتبار التربية والتعليم مهنة في ضوء الظروف الحالية؟ هل تتعامل وزارات التربية والتعليم مع المعلمين باعتبارهم أصحاب مهنة محترفون أم مجرد موظفون لا أكثر؟ هل يتعامل أفراد المجتمع مع المعلمين باعتبارهم محترفون محترمون مثل الأطباء والمهندسين والمحامين أم أن الأمر مختلف هنا؟

هل هناك معايير وطنية أو قومية أو عالمية يتم اتباعها عند تعيين المعلمين أم إن مجرد الحصول على الشهادة الجامعية أو المتوسطة أو حتى الثانوية العامة كافياً لمزاولة المهنة؟

لا بد من العودة إلى الأساسيات في هذا المجال. ولا بد من المكاشفة من أجل معرفة الحقيقة الكاملة. ولا بد من فتح المجال وتوسيع الصدور لمئات الأسئلة التي تنتظر الإجابة. ما هي حقيقة برامج إعداد المعلمين وتأهيلهم؟ هل هناك هيئة اعتماد مستقلة تتابع وتتأكد من جودة ما يقدم في هذه البرامج؟ هل هذه البرامج نظرية أم عملية أم مزيجاً من هذا وذاك؟ ما مدى كفاية القائمين على هذه البرامج؟ هل هي مجرد شهادات ودبلومات تمنحها الجامعات والكليات الجامعية بعد إنهاء مساقات نظرية في علوم ومعارف عفى عليها الزمن؟ ما نسبة التطبيق الميداني في المدارس ورياض الأطفال مقارنة بالمعارف النظرية التي تعطى في هذا البرامج؟

إنني أتساءل عن مدى ملائمة برامج إعداد المعلمين لمتطلبات العصر وتحديات القرن الجديد؟ هل يتم تزويد المعلمين بالمعارف الحديثة والمهارات المرتبطة بالكفايات التدريسية والإدارية والتربوية المختلفة؟ هل تتوافق هذه البرامج مع متطلبات استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم؟ وهل تتصدى هذه البرامج لأعباء التغير المتسارع في هذا العالم المتلاطم الأمواج؟
نريد أن نعرف إن كانت برامج إعداد المعلمين هي حقاً كذلك. ونريد أن نتأكد إن كان المعلم العربي يتلقى تدريباً حقيقياً في أساليب التفكير والبحث العلمي؟ ونريد أن نرى خريج هذه البرامج ممارساً للفكر والابداع ومؤمناً بالديمقراطية وقادراً على قيادة التغيير في العالم المعاصر المتغير باستمرار.

نتحدث عن المعلم العربي وطرق إعداده وتدريبه وتأهيله وصيانة مكانته، ونسلط الضوء على الآليات التي من خلالها يدخل المعلمون إلى المهنة: برامج إعداد المعلمين. ونود أن نرى هذه البرامج في موقعها الصحيح تؤدي دورها الصحيح لا أن تبقى في حدود الشكليات من حيث المدخلات والمخرجات. نود أن نرى هذه البرامج تتفاعل مع حاجات المجتمع العربي الحاضرة والمستقبلية، ونتمنى أن تستوعب هذه البرامج معطيات العالم المعاصر بدل أن تظل حبيسة نظريات في علم النفس أكل عليها الدهر وشرب وتخلى عنها حتى أصحابها.

نريد أن تستجيب برامج إعداد المعلمين لرياح التغيير التي تهب علينا من كل صوب. ونريد لها أن تكون شفافة وحساسة ومرنة، تستشرف القادم وتستثمر الحاضر، وتعنى بالمعنى الأساسي من التربية وهو الإعداد للحياة.

في عالمنا المعاصر الذي يعاني من الرده والحروب والصراعات، ماذا أعدت برامج إعداد المعلمين من أدوات ووسائل وأساليب؟ هل يستمر الحديث عن بافلوف وواتسون وبياجيه وسكنر إلى ما لا نهاية؟ وفي زمن الحاجة إلى الشعور بالأمن والسلام والانتاج، ماذا تقول برامج إعداد المعلم العربي؟ ماذا يقال للطلبة المعلمين في قاعات المحاضرات غير معلومات مملة تقادم عليها الزمن لا نعرف علاقتها بالحياة المعاصرة؟

إننا بحاجة لأن نستدرك ما يمكن فعله من أجل المعلم العربي، فهل عملنا على اطلاق ابداعاته، وهل حفزناه للاستجابة لتحديات المرحلة؟ وهل تعاملنا مع المعلم باعتباره جزءاً من الثروة البشرية، وغرسنا لديه من القيم النبيلة التي تكفل له أداء دور مميز في حياة شعوبنا؟

إنني أستغرب أن أرى برامج إعداد المعلمين متروكة لحفنة من أساتذة الجامعات القابعين في أبراج عاجية ممن لم يمارسوا التعليم المدرسي في حياتهم. إن مجرد الحصول على لقب دكتور في علم ما حتى لو كان تربوياً، ليس كافياً بالضرورة للتأهل إلى مكانة معلم المعلمين. هل يمتلك هؤلاء أكثر من المحاضرات والامتحانات النظرية التي تطالب الطلبة المعلمين بالمعارف النظرية التي يأتون بها من بطون كتب لا تمت للواقع العربي بصلة.

إنني أعجب لماذا تكون برامج إعداد المعلمين في دول مثل بريطانيا معتمدة بنسبة 60% فأكثر على التددريب الميداني التطبيقي في المدارس، وعلى برامج تربية عملية تقوم بتدريب المعلمين على كافة جوانب المهنة من خلال شرائط الفيديو والملاحظة الصفية والتطبيق المباشر. يحدث ذلك بينما في بلادنا تكفي شهادة جامعية بالعلوم التربوية أو في أي حقل معرفي يضاف إليها احياناً اشتراط دبلوم يسمى تجاوزاً بمهني رغم أنه نظري مئة بالمئة، يعتمد على أسلوب المحاضرة فقط لا غير.

باختصار، لا مفر من الاستنتاج بأن برامج إعداد المعلمين العرب هي الحلقة التي قد تكون الأضعف في سلسلة التربية العربية، ولذلك لا بد من فتح هذا الملف برمته من أجل معرفة الحقيقة، ومحاصرة الضعف، ومحاربة الفساد إن وجد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى