الأربعاء ٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨

التربية والمسؤولية تجاه المجتمع والدولة

بقلم: سيد صباح بهبهاني

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء /59

أن مسؤولية التربية هي أعداد الإنسان الصالح.. فإن مسؤولية القانون والدولة هي الحفاظ على هذا الإنسان وحماية خيره وطمأنينته.. وتحقيق سلامة الحياة وتنظيم علاقة الأفراد بعضها مع بعض على أسس تلك المصالح والقيم والمبادئ الأساسية في حياة الإنسان.

أذن.. التربية هي العملية الأولى التي تقدم النموذج الصالح للحياة.. والقانون والدولة هما الأداة والقوة الإلزامية التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على هذا النموذج وحمايته.. وبقدر ما تكون التربية ناجحة تكون المسؤولية ردعا للحفاظ والحماية والوقاية.. لذا أن القانون والسلطة تنجح في بلوغ الأهداف وتحقق الغايات بنجاح.

أذن التربية الإسلامية الصالحة هي التي تسهل مهمة القانون..والقانون الإسلامي وتجعل منه حقيقة..! واحترام في نفوس الفرد والجماعات المتعايشة معا. ويكون الاعتراف به مورد ولاء وتطبيق والتزام.والتربية المثالية هي تمكن السلطة من تنفيذ سياستها وبرامجها الإصلاحية والتنموية.. ولكي يتمكن القانون من تنظيم الجماعة البشرية وتنسيق شؤون الحياة..يجب أن يتوفر التناسق والاتفاق بينه وبين التربية من حيث الأساس والمنطق والمنطلق..من حيث القيم والمبادئ والأسس الفكرية التي تتبناها التربية ويعمل القانون على حفظها ومراعاتها..لأنه في مثل هذه الحال يستقبل كيانات مستعدة لأن تدخل في دائرة نشاطه وتلتزم بروحه. ولثبوت هذه المبادئ سلفا في أعماقها حتى صارت جزاء من حياتها.. ومنطلقا لتفكيرها وسلوكها.. فالأفراد في هذه الحال لا يعانون مشقة ولا يجدون حرجا ولا صراعا نفسيا حال الالتزام بالقانون والانصياع له.. فقد صار بالنسبة لهم ضبط الانضباط والمنظم المتوافق مع دوافعهم وأهدافهم. وأما الدولة فهي الكيان السياسي الأكبر والظل المعنوي لشخصية الأمة و إرادة مجموعها.. وهي الجهة التي تملك حق التصرف في الأفراد وتطبيق القانون استنادا إلى طبيعة مسؤوليتها ومبرر وجودها لخدمة مجموع الأمة وحماية مبادئ الحق والعدل والخير والإصلاح. وبما أن الدولة سلطة تمثل القانون وتسعى لتطبيق القانون.. فإن للأفراد والجماعات مواقف منها وآراء فيها. فمتى ما ربي الأفراد والجماعات على أساس من مبادئ الدولة السليمة.. وقيمتها ومفاهيمها العادلة في الحياة.. كان الأفراد ينظرون إليها نظرة الراعي لمصالحهم والممثل لآرائهم والمندمج مع ذواتهم في حالة استقامة سلوكها وشرعية تصرفها.. فيعترف الأفراد لها بالمركز القيادي.. ويمنحونها ثقتهم ويقرون لها ذاتيا بالولاية وحق التصرف.. وبالعكس عندما تنحرف عن هذه المبادئ وتتخذ لها مساراَ شاذا عن المبادئ والقيم الفذة التي أمرنا بها..فإنها تقابل بالمقاومة والتصدي وتجابه بالمحاسبة والمراقبة. في هذه الحال قوة من مجموع الأمة قوة حارسة لمبادئها وأداة فعالة لممارسة نقد الدولة ومراقبتها...لا ترك الساحة للفوضى والإرهاب.. بحجة لا توافق المنطق والاستنباط... أما إذا انحرف خط التربية عن خط الدولة والقانون الأساسي.. فإن التمرد والصراع وعدم الاحترام سيحل حتما في سلوك الأفراد ومواقف الجماعات المتعيشة.. ولعل هذا هو السبب الأعمق فيما نشاهده اليوم من قلق سياسي يعم بعض الشعوب مع حكوماتها.. كما أن سوء تصرف التربية وعدم دقتها من جهة الأسرة هو الذي يخلق الإفراط

والتفريط في المهادنة والإقرار بالأمر الواقع من فساد الدولة وانحرافها.. أو التمرد وعدم الانصياع للسلطة الشرعية وإرباك مسيرتها والذي يصطلح عليه سياسيا باليمينية واليسارية.. فإن الدراسات النفسية تقدم لنا حقيقة يجب أن لا ننساها في هذا المجال.. وهي أن نوعية المعاملة وطبيعة التربية التي عاشها الأفراد قي طفولتهم لها الأثر الكبير على مواقفهم من الدولة وعلاقتهم بها وبالقانون..!. فمثلا الإغراق في الحب والوداعة والدلال والميوعة ينتج في الغالب التفكير المهادن والسلوك الخانع.. وبعكس ذلك فإن الطفل الذي يعيش في ظل القسوة والعنف والتشرد وعدم الاهتمام والعناية.. فإنه ينشأ عنيفا متمردا معارضا يقلق بال السلطة ويهدد أمن المجتمع.. ويتجرا على هيبة القانون وسلطته حتى ولو كان الحق قائما والعدل باسطا جناحيه.

1. وقد بدت نتائج هذا التناقض وعدم الانسجام والإفراط والتفريط واضحة في المجتمعات الحديثة وخصوصا في مجتمعات الحق والحقوق...! حيث تعاني هذه الدول ألان من التشرد والتمرد والعصابات وجرائم الأحداث والعجز عن السيطرة عليها بسب الطبيعة النفعية من سياسة تربوية تجاهلت معها وجود القيم والمبادئ والأهداف الثابتة للتربية السليمة..فسرى هذا الداء إلى الأسرة.. فانحرفت التربية العائلية وتعطلت مسؤولية الوالدين وأسلم الطفل للفوضى والانحراف السلوكي في المدرسة والبيت.. فتشكلت شخصيته واشتد قوامه على هذا السلوك.. فشب متمردا على القانون والمجتمع المتاعب من ضبطه والسيطرة عليه..وكذلك مع التكفيريين الذين تركوا فهم الأصل..!..وأكثرهم كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا.. وقال الحكماء الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر : أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز ( فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا). إذن علينا التربية الإسلامية الصالحة هي التي تنظر باهتمام بالغ للتوفيق بين القانون والدولة والتربية.. فالرسالة الإسلامية تعتمد أولا على تربية الفرد وإعداده إعداد فكريا وروحيا وسلوكيا على أسس مبادئها وقيمها.. بشكل يجعل من هذه التربية أرضية صالحة.. وتربية خصبة لنمو القانون فيها...(لا.. لقتل الأبرياء.. كما يزعموا هؤلاء النفر المردة.. ونسوا فاتحة الكتاب الذي يطلب عن لسان البشر من الهداية إلى الصراط المستقيم بقوله : " أهدنا الصراط المستقيم " لتجنب الإفراط والتفريط ).. ونرجع للموضوع والفرد المسلم يربى وينمو وهو يمارس الحياة الإسلامية في الأسرة والمدرسة والمجتمع.. فيشب وهو يشعر أن القانون هو مبادئه التي يؤمن بها..ورسالته المقدسة التي يجب أن يحترمها. والدولة التي تقوم على أساس هذه المبادئ.. وتحمي هذا القانون.. ويتعاون مع الدولة. وهو يشعر أنه مسؤول أمام الله عن ذلك..وأمامه عقاب وثواب إلهي على فعله ومواقفه..لأنه ربي على العقيدة الإسلامية..ودرب على السلوك والأخلاق السليمة حتى صار إنسانا ناضجا يشارك في بناء الحياة وهو يعرف أن عقيدته تملي عليه واجبا مقدسا تجاه الدولة والقانون ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الآمر منكم) النساء /59 وكما يدرك هذه المسؤولية تجاه الدولة فإنه مسؤول عن إصلاح الدولة إذا انحرفت.. ! واستهانة بعقيدة الأمة وحقوقها.

فانه يقرأ في كتاب الله : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار). وفي المنهج النبوي في التعامل مع السلطة : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله ).. والإصلاح هو ضمن الفكر والثقافة والأدب ونشر الوعي.. وتعاونه أيضا مع مؤسسات الدولة لإعادة تنظيم ما فسد كقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) وكقوله تعالى : ) أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). وكقوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء

تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) إبراهيم / 24 ـ26 ) وهكذا نفهم قيمة التربية والمسؤولية تجاه المجتمع والدولة وأهميتها في الحياة.. ونجد أنفسنا ملزمين بتوجيه العمل والبناء والأعمار والإصلاح والتنسيق بين مفهوم التربية الصالحة وبين فلسفة التربية وأهدافها العامة في الحياة لبناء الحياة.. كما قال الإمام علي أبن أبي طالب كرم الله وجهه ورضوان الله عليه خير الناس من نفع الناس.. وخير الناس من تحمل مؤنة الناس. والمراد بهذا الكلام من دل الخير وفعله وسعى به.. وفقنا الله جميعا للطاعة في رضى الله.

بقلم: سيد صباح بهبهاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى