الثلاثاء ١٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم هدلا القصار

ادكـار ألـن (السعودي) القاص عبد الرحمن الدرعان

الذي يرضع طفولته من حقائبه القصصية السردية

(أديبان سعوديان صاحباني أثناء سفري من القاهرة إلى بيروت وبالعكس، الأول كان القاص (عبد الرحمن الدرعان السعودي) والثاني كاتبا وشاعرا ختمت رحلتي معه ومع نصوصه سأتكلم، عنه في المقال القادم لكن ما لفت نظري هو طرحهم لمشكلة واحدة باختلاف الشرح، أما في الأسلوب فهم يتفقان في طرح المشكلة نفسها ومعالجة الوضع الإنسان عامة والوضع الصحراوي خاصة) .

قبيل خروجي من غزة، بأيام معدودة لفت انتباه تطفلي الأدبي عنوان يقول (مثقف متعدد المواهب استطاع أن يهزم الشعر والرسم بالقصص القصيرة ) علقت هذه الكلمات في ذهني لأبحث عن الأسباب والدوافع وكيفية "هزم الشعر" التي إثارتي وأدخل جوف هذا القاص الذي حملت بعض أوراقه التي نشرت، طالمة لمست رائحة الشعر على أوراقه وما يحمله من مفاتيح النغمات وشفافية المفردات الأنثوية براشقتها التي تحملها نصوصه .

في صالة الانتظار رقم 22 في مطار القاهرة الدولي وبانتظار وصول طائرة التقطت من حقيبتي بعض يعض الأوراق التي دونت عليها بعض العناوين والملاحظات لبعض الدراسات النقدية، ودفتران واحدا لخربشة الومضات وآخر لصياغة الأسطر وبدون تحديد وجدت بين يداي أوراق القاص عبد الرحمن الدرعان، دهشت مما قام به الدرعان من حرق قصائده ومجموعاته القصصية (نصوص الطين) نتيجة لعدم إرضائه عنهم، ثم اصدر مجموعة بعنوان (رائحة الطفولة) هنا نقلني القاص الدرعاني السعودي إلى طفولته الناضجة في كتاباته وأحلامه التي عبر عنها في مضامينها ومن داخل نصوصه ونقده المنفرد به، وقوة تأثره بمجريات الحياة الإنسانية ومعطيات الحاضر والمستقبل وهو يغوص فيها ويضعها بين شخصيات أبطاله وشخصيته المسربة ما بين السطور حين يسرح بأحلامه التي لا تهدأ حين يرتجف ببكائه الصامت فوق أوراقه بشفافية البوح وعمق الصور الإنسانية وحول ما يشير إليه في تمرده على جفاف الصحراء المجبلة بالحكايات .

شق القاص المبدع عبد الرحمن طريقه في مجال السرد القصصي بديلاً عن الشعر حيث ما لبثت تلك الأخيلة المحملة بهلوساته العقلانية من تحت عقاله وبهدوء طرح لنا أعمدت وجسور قصصه التي تسيطر على حقيقة الواقع التي أنسجت اكتشافه من عنق الزجاجة حين سافر بأدواته الصوفية مع شخصياته التي يلقنها هموم الصحراء الخشنة الكبت والقمع الإنساني، انه يلعب في خلق الشخصيات وتصوير الواقع الحقيقي وإنذار الرموز والقناعات لديه، ويطرح ترميم ما يجب ترميمه دون وراثة ورؤى فيما يطرح مسائلاته في نصوصه السردية :

ربابة مشعان

أنت على الرغم منك تظل ابن القرية تخاف من الأبواب التي تنفتح من تلقاء نفسها في فنادق الدرجة الممتازة والمطارات والمستشفيات الكبيرة ،تتلفت كثيرا توقعا للمباغتة كأن أحدا يتتبع خطواتك ،ولا تحسن قيافة ملابسك ،وعندما جربت أن ترتدي البدلة كنت تتملى جسدك في المرايا كما لو كنت عاريا ، وتدس يدك في جيبك لتعدّ نقودك بطريقة اللمس كالعميان.

أنت القادم المتوحش من الطرقات المتربة روضتك الإشارات الضوئية فوقفت أخيرا مع الموجوئين .. روضتك بصعوبة .. لكنك أذعنت لها أخيرا وتحب الأسماء التي تتردد في الأساطير حين تضع أمك رأسك في حجرها وتقص عليك أحسن القصص وهي تفلي شعرك وتزعم أنك أقل الناس حظاً ..وأنك الرجل الذي لم تضطهد الأيام أحدا مثله ،وحين تفشل مع الأطباء المناوبين الذين يناورونك في المستوصفات آخر الليل لا تتردد في الذهاب من فورك إلى المشائخ ،وأسواق العطارين

*****

تتجه إبطال قصص الكاتب دائما إلى عدم القدرة على تحمل الواقع الذي فرض نفسه، لذا نراه يحوم ويدور حول الشخصية التي يريد ان يثبت صورة عليها في سرده على عدم مقدرته لاستيعاب الواقع . وهو ما زال يبحث عن قدرة وتكيف الإنسان فيه محاولا إقناع الشاهد على مجريات الوقائع بخصوبة أبعاد القصة وقناعاته، والقيم الموروثة باليقين الذي يدخل في سطوره وهو يكشف لنا تلك المحاولات من خلف ادوار أبطاله التي يقول فيها الكاتب في النهاية وباللاوعي ان الكاتب أنا انا هنا أنا هناك وأنا في كل زاوية من القصة وفي تلك المدينة البعيدة وبكل الحالات التي حملتها نصوصه وعناوين قصصه، كما انه يسعى لإعادة بناء النفس من جديد لتناسب مع الواقع الزمني الحديث الذي يراه متناقضا للواقع الحالي .

كما في إحدى سردياته كانت له طرقه الخاصة التي حاول أن يبرز لنا كبت الطفولة الناضجة بين هلالين داخل عنوان :

دم الجمعة :

جراح كثيرة استطعت أن تتجاوزها بمرور الوقت ، موت عاهل ، إهانات إخفاق ، وحرمان ، تحكي تفاصيلها الآن بحياد كأنك تستدينها من ذمة الزمان على سبيل الوفاء فقط ، بيد أنها لم تعد تخصك . فقد تعلمت بالوراثة أن تصدق كل الشائعات التي كان أهل قريتك يروجون لها مثل مبدأ "أن الصعوبات التي تذل الإنسان ويعجز عن التصدي لها تتكفل بمحوها الأيام " ، ويوم فرم جنـزير الدراجة كاحلك آنذاك وأوقعتك مهرتك الصغيرة أرضاً لم تجد عكازاً تسند ضعفك يومها غير تلك الكلمات التي رماها جدك القاعد في شمس الضحى يمضغ رطب أول النهار إذ حصبك بالنواه وقال بدون أن يحرك فيه شلال الدم على كعبك أية عاطفة

*****

يتردد القاص عبد الرحمن، أن يفصح عن ذاته كعناد الصحراء لكنه يعمل على إصلاح وبناء المجتمع برشاقة رؤاه للواقع حيث يواجه المجتمع والقيم الإنسانية ومعالجتها من خلال مفاتيحه الشعرية وسرديته القصصية الخاصة به، فكلما نظرت إليه من خلال قراءاتي ومن بين القوافي والسطور أراه طفلاً يبحث عن الأمان والحنان الامومي المستمر من امتداد قوة الأب الموروثة في تكوينه وكينونة، نضوجه، بعزف لنا رنين عباراته من خلال كلماته المبعثرة في نصوصه، والالق الذي ينتابه من تلك الأحاسيس الممخض بالعجز أمام رائحة الموت وكوابيسه، فهو يحاول قتل هذا الشعور في أعماق اللاوعي من خلال قصصه حيث يعبر عن مخاوفه الإنساني العميقة والسعي لاسيقاظ العالم من حوله ومن فوضت النفوس، والحالات التي يمر فيها بنسج أخيلته الروائية ليوجه اللوم على الواقع الصحراوي أو على المدن الصغيرة والبعيدة واضطهاد الذات الإنسان للإنسان وعدم نمو الطبيعة في الصحراء كما حدثنا عن الجبل القائم في طفولته .

أن القاص السعودي يسعى لتحرير الروح المكبوتة في كتاباته السردية وفوق سطوره وهو يصطاد طفولته من خلال الشخصيات ويحملها عمق المعاناة أثناء خربشات أصابع أطفال رواياته وتوظيفها وتحويلها نحو الجمال الروحي، من خلال شخصياته المحببة والتي تصارع حجمها الخاص وتعكس الوضع الأكثر تأملاً من خلف تجربته الواعية .

انه شاعر وقاص يحمل في صدره عاطفة الرومانسية وعلى أكتافه حزنه وأوجاع هموم الصحراء وكأنه رجل يعبث خارج عصره وان إحساسه بالكبرياء لم ترق له إلى الحد الذي يلغي إحساسه بقسوة العالم من حوله، خاصة بعد وفاة والدته ووالده الذي توفي بعد فترة طويلة بمعاناته مع المرض أمام عينيه ووضعه في قفص الحرمان من شعور الطفولة الذي كان يسكنه ويحبو به نحوه، واليوم خطفه الموت وقيده الطفل في داخله، وهو ما مثله في بطل قصته "رائحة الطفولة" الطفل الذي حشره داخل غرفة ضيقة .

لا ادري بعد هذا الحشد القليل من قصصه وتعابيره التي القي علينا بها .

فبماذا يمكنني أن اسميه؟ غير انه "ادكار الن بو" الذي أزاح شعره ورسوماته وتبع الرواية وصنف شفافية سره على أوراقه .

هذا الكاتب والقاص أو الشاعر الدرعاني السعودي أريد أن أساله كيف يمكن لخشونة الصحراء ان تطلق مثل هذا النص الذي تحول بين أصابعه إلى غزل شعري رقيق في هذه القصيدة ولو يعذرني القارئ لعدم تمكني وتيقني أن كانت هذه القصيدة من ديوانه الذي احرق :

ديما

يا عازف العود غن اللحن تنغيما
وأشعل الوتر الغافي تقاسيما
 
وارم التهاني شموعا كلما اعتكرت
أو أوغل الليل ابهاما وتعتيما
 
لقد بدا البدر في اعلى منازله
وعانقته سماء شمسها ديما
 
يادرة الصبح يممنا ومرشدنا
سنا ضياك – أقاليما أقاليما
 
فلم تضلل نجوم الفجر سكتنا
ولم تنجم حداة الركب تنجيما
 
وأذن القمر الغيران يسألنا
أنا أنا ،ام أنا ! ام إنها ديما
 
سيأفل القمر الغيران في غده
وسوف ينكص إذعانا وتسليما
 
ياحادي الغيم أمطرها مرذرذة
وحومي ياطيور الماء تحويما
 
واغزل لها من وشاح البرق أردية
وعلم البدر هذا الحسن تعليما
 
واملأ عيون ذويها من هنائتها
واملأ لها قدح الأيام تسنيما
 
أستغفر الله ياديما ومعذرة
فإن في الشعر تشويها وتهويما
 
قد كنت مثلك طفلا شعره درر
فجاءك اليوم يهديك ( الملاليما )
 
مشت اليك القوافي وهي خاشعة
مشي الغييمات إجلالا وتكريما
 
فأسمعيني مناغاتي التي ذهبت
قصيدتي أصبحت لغوا وتأثيما
 
رأيت فيك صبيا كنته ويدا
تهدهد المهد تحنانا وتنويما
 
منديل أمي ، بكائي كلما نعست
وصوت بحتها يلقي الترانيما
 
فمن يرد أغانيها التي نُهبت
وريح ( ديرمها ) المسروق ياديما
 
رأيت فيك بيوتا شدتها بيدي
فرشت ساحاتها قمحا وبرسيما
 
نسجت طيارتي والخوف طيرها
فمن سيبعثها نشرا وترميما
 
ضاقت علي ثياب كنت ألبسها
أودى بها العمر تمزيقا وتحريما
 
كم توهتني السنين السود مرتحلا
وأشبعتني يد الأيام تحطيما
 
فإن رأيت صبيا ضاع من زمن
فأقرئيه أمان الله ياديما
 
طفلا تروعه نيروز ياأبتي
نيروزُ !! مازلت طفلا عمره ديما

ومن بين نصوصه النثرية وأبجدياته، ونصف القوافل، وعضلات الوطن، ومخاط البقاء، والعواصم التي تحتد كل الملامح، التقط هذه من وجدته له في "مجلة اليمامة"

من مرافعات طيور الظل
بمن أحتفي ؟!
بزمان معاق يصنفنا ما يشاء ، ينصفنا ما يشاء
يبرقعنا ويقطعنا ويوزعنا بالمزاج على من يشاء
ولا يترك الهاربين إلى أفق الله يصغون إلى ما يقول صهيل المدن

***

زمن ، سيد قاعد جاحدُ
وجهه واحد، صوته واحدُ
نومه، صومهُ
شكله، جهلهُ
قتله، قتلهُ

وتواريخه وفضائحه ملء هذي المحيطات لكنما شكلها واحد ملحها واحدُ

***

لمن سأقيم المناسك
كيف أرتب ماوقب القلب من حجر الواقفين على شهوات ترافع ضد طلوع الإماء
إلى حجر الفقراء إلى مايقول ( الدُلار)
إلى حجر الأبجديين والقاتلين على سنة ( اللاحياء )
بمن أحتفي، نصف أزمنتي ضائع،
هل أرابي بعمري وأدخل في سبت هذا الشفاء، الوباء ؟!
بمن أحتفي والقناديل مطفأة ولمن؟
متى يستوي قارب العدل فينا، ونصف القوافل تعبر
ـ حين تغامرُ ـ كالنسغ في عضلات الوطن
ونصف الأكل تحاول مفردة في الهواء
وويل لأية قارورة ستقول أنا
ههنا
يا زمن ؟!

اطلب من القاص والكاتب "عبد الرحمن الدرعان ان لا يتمسك بعناد الصحراء ويحرم القارئ من نصوصه النثرية المعطرة بزخات المطر وشمس صحرائه المزمنة على رماله

الذي يرضع طفولته من حقائبه القصصية السردية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى