الثلاثاء ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم إبراهيم ياسين

أحلام لم تمت

راودته أحلام اليقظة مرات عدة، وهو في المكتب، أو في السيارة أو في أي مكان معلوم، لم يكن يدري سبب هذه الأحلام ولا المغزى منها، ما الدافع إليها بعد هذه السنين... وبعد هذا العمر المديد، ماذا عسى أن يكون في نفسه من طموح، وقد حقق كل ما كان يصبو إليه، نجاح باهر في مهنته كأستاذ جامعي، هل ثمة مطمح لشيخ جاوز الستين...؟ تساءل مرات، هل من حق مسن مثله أن يحلم؟ وما الجدوى من حلم لن يتحقق وإن تحقق ماذا عساه يقدم أو يؤخر... حينما ينطلق القطار مخلفا وراءه غبارا أو دخانا أو فراغا... ماذا في وسع المتأخر أن يفعل؟ أيوقف الزمن أم يوقف القطار...؟

وماذا لو أوقف الزمن أو أوقف القطار؟ ما ذا سيجديه وهو لا يعلم أين يتجه ولا ما يريد... لقد تحدى نفسه ألف مرة: لو سئلت: ماذا تريد أن تحقق؟ أطلب نحقق لكل ما تريد، لو سئل هذا السؤال لما أجاب، بل الأسوأ من ذلك، لو قيل له: حدد رغبتك أو ادفع غرامة، لقال: أن أدفع غرامة أهون علي من تحديد هدف، وأخوك مكره لا بطل، في بلد تعود فيه أمثاله أن يستسلموا للظروف... لكل الطوارئ، المستعجل منها والبطيء، يستسلمون للفقر وماذا عساهم أن يفعلوا، يرضخون ويرضخون، ثم يرضخون... وبلا توقف،

وهم صغار يخضعون للأب والأم... ثم للفقر والمرض... المواطن المقهور في البلد المقهور يعرب دائما مفعولا به وإن ساءت الأمور أكثر أعرب مضافا إليه مجرورا... لا يرفع أبدا وإن كان هو يرفع الآخرين في صناديق الاقتراع، وإذا ارتفعوا خفضوه أو أنزلوه، وإن خجلوا منه تركوه ورفعوا السقف عاليا... إن نظر إلى أعلى فهو بين هم يؤرقه وأشعة شمس تحرقه، وإن نظر إلى أسفل، فماذا يرى على الرصيف غير البصاق...

في البلد الأمين يبصق الناس في كل مكان، بحيث إن تواضعت وغضضت من بصرك رأيت ما يورث التقزز وربما الغثيان... وبعد إلحاح عنيد استسلم للسؤال الماكر، رفع سماعة الهاتف: سيدي الطبيب حدد لي موعدا، أنا مريض نفسيا أو شيء من هذا القبيل، وبعد فحص عميق وتحليل أعمق، جاء الجواب: الأمر أيها السيد الكريم لا يرتبط دائما بما لم تحققه من طموح... فقد يرتبط بما حققته وأنت مكره...أعاد الطبيب النبش في خزانة هذه الجمجمة التي غزاها الشيب: سؤال تلو سؤال...

دام الأمر ساعات، أدرك بعدها أن كل ما حققه إنما هو أمنية أبيه... وهو صغير لم يكن يحلم أن يكون موظفا أصلا، وحتى يحقق حلم والده، فقد قرر أن يقتل حلم نفسه... بعد أن أدرك.... خرج من بيته، متوجها نحو المكتبة ليشتري عدة الرسم... لقد قرر أن يبدأ من جديد، بعد تقاعده من هذه المهنة التي لم يجد فيها متعة أبدا... ها هو يبدأ الخطوة الأولى في طريق الألف ميل وفي مجال الفن موطن متعته، حيث سيجد نفسه التي افتقدها منذ زمن بعيد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى