الخميس ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم علاء الدين حسو

انتقام الأرنب البري

أقسم الأرنب على الإنتقام، وأن يتسلى بالجماجم بعد أن تدفن، وأن تصبح القرية خاوية على عروشها، يتجنبها العابرون، ويوعظ بها الغافلون..

قالت له أمه الناجية:

  لا تقل كلاماً كبيراً، فأنت أرنب وهم بشر.
  صراعنا معهم مستمر، واستمرارنا دليلٌ على قوتنا.

شمّت الأم ولدها وقالت باكية:

  تُذكّرني بأبيك.
بصق الأرنب مضغة الجزرة وعاد يسأل:

  كيف حصل ذلك؟
تنهدت الأم وقالت:

 كان وقت الحصاد، سنابل القمح بدأت تقطع من أجسامها وتخزن ضمن أكياس والآلة الجبارة ترمي بالتبن، فانكشفت الأرض، لذا هربنا نحو التلة الجرداء لحين انتهاء موسم الحصاد.

مطَّ الأرنب شفته السفلى وسأل متسرعاً:

  ولما هربتم إلى التلة؟
  جدُّك قال بأنها أكثر الأمكنة أمانا.
وثب الأرنب وصرخ بنزق:

  وجاء الأغا برجاله، يقبضون عليكم دفعة واحدة، فيسلخون جلدكم،ويستلذون بأكلكم.

دنت الأرنبة من ولدها الذي شب، محروم الأب، والجد، والعم، والأخ، يسأل عن أهله فما كان منها إلا إن أخبرته، وتألمت أكثر لما كرر ولدها سؤاله؟

  وكيف هربتِ؟
  قلتُ لك.
  أريدُ أن اسمع ثانية.
  خاف والدك عليّ، فهجم على الذي حاول إخراجي من جحرنا، فوثب على الرجل، يخرّمش ويعضّ، فأمسك الرجل من أذنيه، وهي نقطة ضعفنا يا ولدي، ولم يظنوا هناك أرنبا أخر في نفس الجحر.

تنفس الأرنب ومشى بتكبر وقال:

  هكذا إذن والدي حارب، دافع لوحده رجال الأغا.

* * *

الليلة مختلفة، فقد اجتمع عند الأغا أغوات القرى المجاورة، تبتهج بخبر تخرج ابن الأغا مهندسا زراعيا، ولطبيعة الجو البارد، وشرب الشاي المستمر، جعل الحاضرين بالتناوب يخرجون لقضاء الحاجة، وسيدُ المجلس ضيفٌ من المدينة، جاء يبحث عن معلومات لاستكمال كتابه في تاريخ العشائر..

تناول الضيف قدح الشاي الحارة من يد الخادم وتابع حديثه:
  الحقيقة أن تاريخنا عرف الكثير من المذابح، إلا إنني لا أجزم أيها أقوى؟

تطوع احد الحاضرين وعقّب:

  نحن في الصيف عرفنا أقوى مذبحة.

غصّ الضيف، وبصعوبة بلع رشفة الشاي، ونظر نحو الأغا يستفسر، فزجر الأغا بعينه ذلك المعلّق الذي تقوقع على نفسه كحلزون، وقال الأغا موضحا:

  يقصد أكبر صيد للأرانب شهدته المنطقة.
  صيد أرانب؟!

ضحك الجميع وكذلك الضيف بالعدوة، فارتاح الأغا وأكمل بسعادة أفرحت الحاضرين:

  كان يوما عظيما، تعرف وقت الحصاد تصبح الأراضي عارية فتخرج لنا كنوزها كالأرانب.

قاطع الضيف معلقا وهويستمتع بحرارة الشاي:

  وتخرج الأفاعي.

تجاهل الأغا تعليق الضيف، وإن بدا الأستياء على وجهه،إلا أنه أكمل حديثه:

  الدهشة كانت اختفاء الأرانب، إلا أن تاجر التبن أشار علينا بالتلة، فذهبنا لنكتشف عشيرة أرانب تنتظرنا.

علا الضحك والهرج، ودارت القهوة المرة،وكؤوس الشاي، وتجددت رؤوس النراجيل، والتفتوا نحو أحد الرجال، الذي بدا عليه شديد التعرّق، كأنه تحت شمس حزيران. أثارت فضول الضيف فتطوع الأغا بالشرح:

  أعذرنا أيها العزيز، فهذا الرجل الوحيد الذي تعرض لهجوم من أرنب بري متوحش سمين. كأنه ديك هندي كبير، أو جرو صغير، لم أشهد مثله.

وبينما كان الأغا يشرح طريقة قبضه من أذنيه، وأن الأرنب إن امسك من أذنيه يستسلم، وكيف سلخه، وتلذذ بلحمه القاسي، كان الأرنب البري تحت نافذة الاوضة يصغي وقد أمتلئ غيظاً، فراح يبول،ويبول، كأنه نبع ماء انفجر، أو سيل نهر فاض، فأنتشرت رائحته من الثقوب الدقيقة، وأطراف الباب والنوافذ..

قطع الأغا حديثه لما شم رائحة البول، فأشار إلى خادمه وهمس في أذنه:

  اذهب وتفقد، الويل لمن يفعلها قرب الأوضة.

وعاد يسأل الضيف:

  حدثنا عن أكبر مذبحة.

أرتاب الضيف وقد أحس برائحة النشادر فدفن سيجارته، قال والدخان ينتشر من فمه:

  الحقيقة هناك خلاف عن أي مذبحة أكبر، ولكني احترت فعلا في مذبحتين، مذبحة الخيمة التي تخلص فيها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من أبي مسلم الخراساني، ومذبحة القلعة التي تخلص فيها الباشا محمد علي من المماليك.
تصنّع الأغا فهمه، وقال معلقاً وقد أزعجته الرائحة:

  مذبحة الباشا لا شك.

تبسم الضيف وسأل مغيراً الموضوع:

  وماذا يفكر مهندسنا؟

ضحك الأغا وقال بزهو:

  القضاء على فئران الأراضي، وتربية الأرانب، يقول ستكون الغذاء الأساسي في المستقبل.

كان من الممكن أن تعلوا الضحكات، أو الهرج لولا دخول الخادم، وكأنه استحم ببرميل من البول
فلم يتمالك الأغا وصرخ:

  ما هذا؟
  إنهم يفعلونها تحت نافذتك يا أغا؟

نهض الأغا من مكانه وصرخ شاهراً مسدسه:

  ومن يجرؤ؟

ولأن الرائحة لا تطاق، أطلق الأغا رصاصه على الخادم، فطاشت إلى أحد الحاضرين، وكان ابن أحد الأغوات، فأخرج مسدسه وأطلق.وبدأت الطلقات تُطلق، تُسمع جميع الضواحي في تلك الليلة الباردة والمعتمة أنها معركة ثار.......
بدأت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى