الجمعة ٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

التطور الثقافي ووسائله

نعيش في عصر ثقافي مختلف كليا عن ذي قبل، عصر أصبحت وسائل التكنولوجيا الحديثة من الإعلام الرقمي والاتصالات الفضائية كالقنوات الفضائية والإنترنيت تساهم في بلورة هذه الثقافة الجديدة والمختلفة وتغير من طريقة التعاطي مع الثقافة عموما، وتصاحب الكتاب الورقي في تغيير وجه العالم والتعاطي مع مشاكل الناس وحياتهم ومتطلباتهم المتنوعة. إن عصرنا الحالي ينتج ثقافة مختلفة وحاجيات معرفية خلافا لما كان يتطلبه الإنسان قبل أزمنة خلت، وهو عصر يحيينا على أمل أن يبقى للثقافة وجود ورغبة في عقول الناس. فمن خلال وسائل حديثة كالإنترنيت أصبحت الثقافة تُنتَج بوفرة على رغم وجود بعض الضحالة الثقافية والفكرية التي لا تؤثر على مسار التثقيف العالمي، ومن خلال كتاب مطبوع ورقيا بكيفية جيدة ومحببة إلى القارئ أصبح العالم الواعي يجد ملاذه في تغذية فكره وإشباع نظره الذي يبحث عن كل جميل وجذاب.

إن التوازن الحالي الذي نراه في المجال الثقافي العالمي بدون تحديد مناطقي وبعيدا عن خلق الصدمة في مستوى القراءة العربي، يمكننا أن نقول بأن الثقافة لازالت بخير على غرار السياسة والاقتصاد مثلا المجالين اللذين يعيشان بين الفينة والأخرى العديد من النكسات. قد يرى البعض في هذه الرؤية أنها غير مبنية على حقائق رقمية، ولكن ما نراه نحن من خلال تفاعلنا الثقافي المحلي والعربي وتتبعنا للواقع الثقافي في العالم الغربي فإننا نجد أن مجال الثقافة عموما قد عرف تطورا في مستوى الإنتاج الأدبي والفكري كما عرف تقدما في زيادة مبيعات الكتب وتناسل المعارض المهتمة بالكتاب، إضافة إلى ارتفاع نسبة المستعملين للإنترنيت عربيا وعالميا بأعداد مهمة. وهذا يقوي رؤيتنا الآنفة الذكر.

وفي غياب أرقام مفصلة عن هذه النسب المتزايدة يوما عن آخر، فإننا نرى بأن هذه الثورة الثقافية تدفعنا إلى استثمارها في التقليل من حدة الصراعات بين المجتمعات والأديان والحضارات في عالم اليوم. بل إنها فرصة لغرس ثقافة الحوار والدفاع عنه وجعله هو السبيل الوحيد لحل أي صراع بين الدول والأشخاص.

وقد يكون من الصعب استحضار الأرقام الآن. فلم تعد الأرقام مهمة في ظل ثورة تتبين معالمها من واقعنا الثقافي والعربي. ورغم ضعف القراءة في العالم العربي ومسايرة هذا الجزء من العالم للثورة الثقافية بالسرعة التي تسير بها نظيرتها في الغرب فإننا ما نعيشه من انفتاح ثقافي وإعلامي عربي منذ أكثر من عقد من الزمان، تناسلت خلاله العشرات من القنوات الفضائية المختلفة، والتي استطاعت بعضها التفوق فيه، وتزايدت خلاله أيضا إصدارات كثيرة لجرائد وصحف عربية ومجلات أدبية وفكرية مختصة استطاعت أن توجد لنفسها مكانة في نفس القارئ العربي والغربي على السواء. وهذه الثورة لم تأت من فراغ، فقد كانت نتيجة للعديد من النضالات والصراعات مع الرؤية السياسية الضيقة لبعض الأنظمة العربية التي ترى في الثقافة والإعلام عدوا لا مكملا ومساعدا على ممارسة السلطة والحكم بطريقة ديمقراطية وبشفافية ومسؤولية واضحة.

إن على السياسي العربي اليوم مسؤولية عظيمة تتجلى في التنازل عن الكبرياء الموهوم الذي يحيط به نفسه، وأن يضع نفسه في قيمة السياسي الغربي الذي يتقبل النقد والرقابة الشعبية من خلال وسائل إعلام تكبح جماحه وتظهر له أخطاءه ليصححها ويمارس مسؤوليته بكل وضوح. ولا يمكن أن يكون هذا التعاقد إلا بخلق وسائل إعلام تهدف إلى تثقيف المجتمع وتستعمل الثقافة بكل تجلياتها في هذه المسؤولية الواقعة على عاتقها. فلا يعقل أن يسَيٌِر أميٌ أو جاهل أو رأسماليٌ لم يسبق له أن ولج مدرسة، مؤسسة إعلامية لتلطيف صورته أمام الناس والدفاع عن أفعاله وممارساته في البلاد.

إن رؤية جديدة لخلق علاقة حداثية وحضارية بين السياسي والمثقف العربي اليوم كفيل بتطور ثقافتنا العربية وتبوئها المكانة الراقية في عالم اليوم. فالكتب كثيرة والإنتاج الأدبي والفكري كثير وعظيم يستحق وقفة تأمل للحفاظ على سيرورته والدفع بالنقد البناء لتنقيته من الشوائب والضعف الفكري والأدبي. فالوقت قصير لنبنيَ لثقافة عربية متقدمة وراقية، هذه الأمنيات قد تعني لنا الكثير لأنها تخلق مجتمعا واعيا بمسؤولياته وحقوقه وواجباته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى