الجمعة ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨

التجاور الشعري ( نجاة عبدالله) نموذجا

بقلم: وجدان عبدالعزيز

الشعر بث متبادل وحوار والشاعرة نجاة عبدالله تفترض الحوار وتتفارق مع أشياء المحيط تارة تؤنسنها وتارة تتركها على طبيعتها تلتصق بأخرى مغايرة ، مكونة صورا شعرية منحوتة نحتا جديدا تتوازى مع إرهاصاتها في تشكيل رؤية خاصة بها ، بحيث تكون أشياء المحيط هي حالاتها النفسية بتحويلها من المرئي إلى غير المرئي أو من المعلوم إلى المجهول ومن المحسوس إلى المجرد وهذا تجوال أفقي تتحول فيه الشاعرة إلى أعماقها ضمن دوال العلاقات وتشابكها لأجل الوصول إلى ما تبغيه الشاعرة..

الله
يا هذا المساء
وأنت تضحك
من تفاحتين
وفنجان قهوة
وسرير من تراب

المساء يضحك ، والسرير من تراب مفارقة بين هذا وذاك ثم تقول:

تتهشم
نوافذ الخريف
وكلب
يحرس أحزاننا

هذا تجاور في الكلمات خلق صورا شعرية تمتد أفقيا مع إرهاصات الشاعرة وتستمر حالة تجاور الكلمات..

كنا نفترق
على ضوء شمعة
ونلتقي على انفجار قبلة

عبارة (وكنا نفترق على ضوء شمعة) لا تحمل أي مفارقة ، لكن تجاورها مع عبارة (ونلتقي على انفجار قبلة) رفعت العبارتين إلى مصاف العبارات الشعرية بما يسمى السهل الممتنع ، ثم تقول:

إلي
بمبضع القاتل

عبارة سياق لكن تردفها (بقاتل الأزهار) وهنا حملت حالة إدهاش للمتلقي وأضاءت الحال أكثر حينما قالت:

لشدة شحوبي
أراني وهو يزرع غيرها

وبذلك تحولت من الأفقي (أشياء المحيط) إلى العمودي (أشياء النفس الباطنة) ، ثم تقول:

نامي أيتها الطريدة
لنكتحل
بماذا؟؟ بطين سرورنا
صوب الصحوة

هذا التشابك في العلاقات بين الأشياء افتراضيا ، جعلنا في إغراء مستمر للغوص في أعماق ما تطرحه الشاعرة وهي تحاكي الأشياء لتقترب تدريجيا من مساحات وعي الشعر، وقد تبدأ عملية التصريح تقول:

(يقفز الحزن
من وجهي
مثل خنازير عطشى
وأسرع إليك
بأصابع بيض
لا تجيد التثاؤب
خارج
طوق اليدين)

ربطت قفز الحزن الغير مرئي مع الخنازير أشياء الطبيعة المرئية بإعطاء الخنازير مفارقة العطش بينما هي تعيش وسط الاهوار ثم أسرعت له(بأصابع بيض) سياق طبيعي أنارته بمفارقة عبارة (لا تجيد التثاؤب) وهذا نسق بنحت جديد يجعل المتلقي يبحث ما وراء هذه الصورة ثم تقول:(مادمت شجرة) نسق مغاير يبرر الدخول إلى الأعماق وهو خط عمودي تقاطعه بآخر أفقي بقولها:

(أيتها الأغصان
لِمَ
تحملين الحصى
وتثمرين)

وتستمر الشاعرة بحالة المجاورة المتوترة بحالة التقاطع بين الأفقي والعمودي ، لتقدم لوحة من الشعر فيها الكثير من الخطوط الوهمية والألوان المرئية وغير المرئية وهذا يعكس قلق المبدعة نجاة في افتراض حياة تتكامل في اللاوعي غير أنها تصطدم بمساحات الوعي مما تزداد حالة القلق لدى الشاعرة التي كانت منهمكة طوال مسيرتها في ديوان(مناجم الأرق) في التقاط حالات المجاورة المفارقة بين أشياء المحيط لتغاير بينها وبين حالة توتر تضطرها أحيانا إلى انسنة الأشياء كي تقترب أكثر نازحة من الخط الأفقي المفترض في مسيرة الصورة لتقاطع الخط العمودي وهو التوغل في ذات الشاعرة وهواجسها تقول:

(كنت اظهر في التلفاز)
يعني مسرح الحياة وهو حديث افتراضي عن الذات
(قطة بأصابع عنقاء
صفعت الضوء)

خط أفقي بينهما حدث هو التقاطع والظلال لان هناك (... أول عرض للأحزان) ثم أحب ، احلم على طريقة القطط والفراشات (وتلك صدفة) لأني

سرا
احبك
وعلنا
امسك معولا
وانهال خضرة على الأشجار

أعلنت الحب وأعلنت ألامساك بمعول ولكن بالنتيجة كسرت حالة التوقع لدى المتلقي بقولها:(وانهال خضرة على الأشجار).
إلى هذه النقطة من المسير نستطيع إن نقول إن نجاة عبدالله أعطت الضوء الأخضر بان هدفها الأسمى من الأرق والغياب هو الحب الذي يجعلها تغدق على الأشجار الخضرة والحياة أي الحضور من هذا يحق لنا ان نتبادل البث والاتصال مع الشاعرة بفم من ذهب لان (الحياة قصيرة) لذا تدعو صنو نفسها بقولها:

اسقني أفراحا
بدل إن تسقني ثعالب

المقصود بالتواتر المنطقي من خلال رحلة الشاعرة ، هو انه الحياة قصيرة فلا بد من استغلالها لأجل السعادة بشراب الفرح أي أشياء شفافة رائقة بدل الشراب من سواقي المكر والخديعة ، واعتقد هناك فلسفة تقول: الحياة اقصر من إن نقصرها أي الخروج من متناقضاتها بإمساك مفرداتها السعيدة والشاعرة في بحثها تقول: (اشتقت لهذا العزف الغامض) أي عزف الحياة لايفاع المسير لابد إن تكون أوتارا متناغمة مع ذات الإنسان الخيرة التي تشرق وتتهلل سرورا أمام مباهج الحب لتصرح قائلة:

اسقني... احبك
بدل أن تشاجر دميتي
على الانتظار

دخول إلى الأعماق للخروج بحركة ضد الجمود وهنا شدت انفعال التوتر بعلة عدم السكون وسببت ذلك باني احبك فإرادتي إن لا تكون كدمية يزاحمها الجمود إنما أريدك (توزع الورد على النجوم

وتغازل عرين الأسد)

ونجاة عبدالله تريد إنسانها حسب إيقاع اللحظة التي تبحث كتلة من جمال بحيث عطاؤه ورد ودفاعه التغزل بعرين الأسد..

صورة الورد + صورة الأسد
لغاية واحدة لا يفرط بها لان (الفكرة... كبيرة) تقف في معترك عجيب.

بقلم: وجدان عبدالعزيز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى