الأحد ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨

زكية المزوري ومفارقة المتن

بقلم: وجدان عبدالعزيز

إن ثمة خداع نقدي في الوصول إلى المعنى يوّلد حالات التجاور والزحزحة قرب أو عن المكان المألوف للكلمات وهذه قناعة لابد من إدراكها وإظهارها حتى يُعرف الناقد الحديث بأنه باحث علمي يدخل ورش المبدعين ليأخذ العينات الممكن إجراء الاختبار عليها بغض النظر عن أسماء منتجي النصوص أي إن النقد الحديث يدفع الناقد إلى الحيادية الجبرية بتأثير الآليات النقدية الحديثة التي تتعامل مع اللغة وتراكيبها والتي تغري الكاتب في إنتاج ماهو جدي ومدهش في استعياب الإرهاصات..

أسوق هذه المقدمة لأبرر دخولي لنص الشاعرة زكية المزوري (قانون سريالي) حيث وضعت هي تبرير أولي في العنونة جعلت المتلقي تُستحضر أمامه أحكام مسبقة في حواره مع المتن، غير إنها تواجهه بنص متماسك يعكس قدرتها في التخفي وراء ستار سريالي سرعان ما يتكشف أمام الجهد والكد الذهني في الإنصات لحركة الكلمات وهي تدل على حالة التقاط لطرف الخيط المربوط بطيران الفكرة وتحليقها في أجواء طروحات متعددة اكتض بها المتن..

وعيبي إني أتصوف داخل النص وكأني منحاز له ولا اخرج من صومعتي إلا وبيدي بعضا مما قاله منتج النص متوسلا الحال علّي احصل على ما لا يقله أي المسكوت عنه وهذا في ظني ما يعنيني بالأساس، لذا اردد مع زكية المزوري:

(أتلبد غيما يرفض الأمطار

أتشرد خيطا يطير خلف قطار)

رابطا بين السقوط من الأعلى والركض وراء عجلة الزمن وهو هنا القطار، وكأن الشاعرة عندي في المسكوت عنه تبرر قولها:

(أغور في كنّه الكون

في نزق الكلمة

أدور في حلقات

مغلقة)

بسبب ضخامة إرهاصاتها والتي أحالت الكلمات بوضعها الطبيعي إلى العجز مما جعلها تدور في حلقات مغلقة ظاهريا لكنها مفتوحة على معاني أُخر تُبرر غلقها أي إنها تُزحزح الكلمة عن نسقها الأصلي المرئي أي مكانها في الكتابة إلى نسق لا مرئي يبث بثا آخر يُخرج منتج النص إلى ساحات البوح، لذا افتراضا تكون غير ما كانت عليه لحظة الإبداع ومن هذا دخلت إشكالية فلسفية جعلتها صوفية في بعض المشاهد وبطريقة سريالية..

(أطارد ذنوب الشيطان

اصعقه خلسة

واهرب)

أين وجهة الهروب؟ أكيد للذات والانعزال والتأمل برغم من مرورها بأشياء المحيط، لكن بدون وجود مرئي أي التحول من المحيط إلى الذات أو بالعكس..

(أصير من الآدمي غربانا

وبواشق مجنونة

أطوق جثث الموتى

بأوردتي

أقلدهم

عالما بلا وجود)

لتفريغ حمولة النقمة الاجتماعية على حالة الازدواج التي يحملها بعض البشر، بيد إنها تحاول مرة أخرى الهروب سالكة المسار الدائري من بحر المحيط إلى قاع الذات ومن الذات إلى أشياء المحيط أي مسارات أفقية تقاطعها بالمسارات العمودية تقول:

(بوجعي

بسقم الوطن)

محدثة بذلك صورة شعرية افتراضية هي حالات توتر وشد طغى
على السطح واظهر قلق الانسانة الشاعرة في إيجاد علاقة بين الوجع الإنساني الذاتي وبين هموم وطنية ذات اهتمامات بالآخر لتكون ذاتها المثقفة الشفافة عدسة لآمة لشعاع المحبة والوئام جاعلة من الأدب الحي وجعا إنسانيا ووعاءا يستوعب إرهاصات الجماعة برؤية الخلود والبقاء وهذا ديدن الإنسان ينطلق من انطلاقات الفطرة
التي يحملها ويميل بشدة إلى البقاء والخلود..

قد يرى غيري إن هذه الحمولات متكلفة على المتن، لكني أدعو الناقد إلى رؤية الانفتاح على خبايا النص وادعوه إلى البحث المضني والتخلص من الأحكام المسبقة التي قد تسوقها القراءة الأولى لأي نص بل إن النصوص الحديثة قابلة للقراءات المتعددة بسبب إن هناك عبارات لا شعرية انبثت داخلها عبارات شعرية والعلامة الفارقة لا تظهر إلا بتهذيب الذائقة والغوص في أعماق المفارقة النسقية والجمالية حتى يستقيم الطريق نحو الاكتشاف.

بقلم: وجدان عبدالعزيز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى