الجمعة ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
قراءة نقد ية في المجموعة القصصية
بقلم جمال غلاب

ساعة أينشتاين ألأخيرة

للقاص والمترجم (وليد سليمان) ـ في الجنون حكمة !

ما يلفت الانتباه في المجموعة القصصية المعنونة ب / ساعة أينشتاين الأخيرةـ للقاص والمترجم (وليد سليمان).عنصر الدهشة. الذي أبدع فيه القاص في فضاءات نصوصه الموزعة في مجموعته القصصية. ففي صدارتها القاص يعلن عن أزمة اجتماعية بموت أينشاتين الذ ي انتقم من نفسه عن طريق الاعدام لأنه ببساطة عجز عن اصلاح ساعة (تايوانية).

هوموقف بدون شك أخذ بعده الظاهري من خلال ا قبال أينشتاين على الانتحار ؟. لكن في أبعاده الأخلاقية والزمانية وحتى الانسانية التي قد تعرف التغيير الى الأسوأ بظهور الساعة التايوانية يقول القاص * لم يسبق ـ لأينشتاين ـ طيلة حياته أن عجز عن اصلاح ساعة مهما كان نوعهاأومصدرها أودقة مكوناتها أوتعقيدها. كانت كل ساعة معطلة بالنسبة اليه تحديا واصلاحها بالنسبة اليه مسألة حياة أوموت. فماذا حدث هذه المرة ؟ ـ

تساؤل وجيه يطرحه القاص بإلحاح على لسان أنشتيان ؟ .هل مثل هذا تساؤل يتطلب منا الخوض في التدبر فيه بغية الوصول الى رفع الستار على الوجه الآخر لراهننا الموبؤ على أكثر من صعيد وتحديدا على ما علق بالانسان وعلى راهنه من فساد ؟ . الانسان الى عهد قريب كان دقيقا في انضباطه مثل الساعة التي كان يقوى ـ أنشتاين ـ على اصلاحها . دقيق في مواعده ؟ متفانيا في حفظ الأمانة وصيانتها ؟ جريء في الاعتراف بأخطائه ومقداما في اصلاحها ؟ .

من هنا ينتقل القاص عبر مسارات الوجه الآخر لساعة أنشاتين وكأنه يشي بحنين خفي الى ضياع هذه القيم النبيلة من انسان الراهن . بانتحار ـ أنشتاين ـ القاص يكاد يجزم بأن انسان اليوم صار يشبه ساعة ـ التايوان ـ لا رجاء من وراء اصلاحه بسبب تخليه عن الكثير من القيم الانسانية التي تصنع حياة الطمأنينة والأمن ولتقريب هذه الحقيقة القاص دائما يضرب لنا مثالا على ماطرأ على الساعة التايوانية ؟ وكأنها تكاد تكون عملية اسقاط على سلوكات بعض الناس المزيفة والمشحونة بالكذب والنفاق والخيانة ووالنصب والاحتيال وهلم جر من هذه المفاسد ؟ . ويختم القاص نصه على تأكيد على موقف ـ أنشاتين ـ المتمثل في الانتحار ليعلن عن أزمة أزمة زوال القيم الانسانية من راهننا بعد ظهور الانسان من نوع ـ تايوان ـ . وأمام هذا المشهد الرهيب والمحفوف بالدهشة .

القاص بهذا يكون قد أصبغ نصه القصصي بالمذهب الرمزي. هذا الأخير الذي من أعراضه الأولية أنه لا يفصح عن معناه الحقيقي على ظاهر اللفظ بل في عمق أعماقه لأنه من السذاجة قبول شخص في حجم أينشاتين صلاح للساعات أمام باب سويقة , أو بالقرب من المسرح البلدي بمدينة تونس . أنشتاين تقريبا بفكره وابداعه إخترق كل الأفاق .وكان ولا يزال السبب في دخول الانسانية عالم الحداثة واكتساب التقانية . وبالتمسك بأنشتاين وأمثاله كان العالم بخير . لكن بعد زحف السلع التايوانية المغشوشة والمزيفة والمؤقتة الاستعمال بسبب أسعارها المغرية على ما يبدوطويت صفحة أنشتاين وهوما أعلن عنه القاص صراحة بمرارة عبر بوابة إنتحاره .

ويسترسل القاص في مجموعته القصصية في صنع الدهشة التي تتفرع الى استحضار صور شتى من حركيتنا الاجتماعية والثقافية وكأن القاص يحاول لفت انتباهنا الى صد قية المثل القائل ـ ليس كل ما يبرق ذهبا ـ

و يأت النص الثاني المعنون ـ جان جينيه ـ وكأنه امتدادا للنص الأول لتناوله سلوك هيام الناس بكل ما هومزيف ردئ والد وس على كل ما هو أصيل ومفيد ولابراز حقيقة هذه الصورة المسيئة والمشحونة بالتزييف القاص يضرب لنا مثلا من خلال قصته مع ـ جان جينيه ـ فهذا الأخير بالرغم من أن شهرته اخترقت الأفاق مع ذلك هوشخص متواضع وبسيط . حيث لم يتفطن الى قيمته القاص الا بعد أن صادفته صورته في احدى المكتبات الاسبانية . وقد لا يلام القاص في تعامله مع ـ جان جنيه ـ بحكم أن الزيف طغى على كل شيء الى حد العماء لبصرنا وبصائرنا ومنه صرنا لا نقو على عملية الفرز بين ما هو مزيف وأصيل . وهنا يجدر بنا التساءل : هل قيمة الشيء مرتبطة بظاهره أم بمضمونه؟ ولماذا الاندفاع وراء كل ما هو براق ؟ ووكيف لنا أن نتعظ لتجاوز هذا التزييف ؟. أسئلة تنطوي على العتاب ووخز العقل يطرحها القاص لشحنه بطاقة الحضور أمام مثل هذه المساوئ التي غرق فيها عالمنا .

وفي النص الموالي والمعنون ب ـ كلام مجانين ـ ينتقل بنا القاص الى حلبة المجادلات الفكرية لمناقشة بوار العقل فينا من خلال تواطئه بالسكوت أمام ما تزخر به مشاهدنا الحياتية من رداءة في كل مناحي الحياة في حوارية جميلة مع صديقته . صديقته التي تريد الركون الى الجنون وكأنها ترى فيه منقذها الوحيد أومرفأ من مرافئ النجاة أمام ما يقرفها ويقززها . صديقته التي تريد الهجرة الى عالم الجنون من خلال تجاوز العقل لاستحضار الحكمة وقد تبدومحقة في ذلك عملا بالقول المأثور ـ أطلبوا الحكمة من أفواه المجانين ـ . القاص بعد أن يسترسل في حواره مع صديقته دائما محاولا ثنيها على خوض مغامرة الجنون الغير مضمون العواقب والعبرة في ذلك ـ انشتاين ـ الذي لما فلح في دخول عالم الجنون إنتحر؟؟؟.

ويختم النص بوصول الإثنين الى عالم الجنون وهوما تفصح عنه ضحكتهما بعد سماع خبر في المذياع مفاده ـ رجاء أيها المستمعون..لقد فر مجنونان خطيران من مصحة الأمراض العقلية ..فالرجاء أن يقوم كل من يراهما أويصله خبر عنهما بالإعلام ..- وعندما استمعا الى ماقاله المذيع انفجرا في ضحك مجنون ـ وهنا يجدر بنا التساؤل أما الاشكالية التي يطرحها القاص. اشكالية التمزق بين العقل وتجاوزه الى الجنون ؟. حقا هوموقف عبثي يستمد عناصره من المذهب العبثي الذي وصفه ـ يونسكوـ اجمل وصف وعرفه بسأم الحياة في صورة رهيبة عادة ما تثير الانسان بقوله ـ الانسان صار يتكلم ولا يقول شيئا يسمع ولا ينصت. ينظر ولا يرى . يضحك بدون فرح . ويبكي بدون دموع ـ . فعلا عالمنا صار مقرفا وغير قابل للاحتمال بسبب تفشي السأم في اوصال حركيتنا الاجتماعية ؟ وهنا يجدر بنا التساؤل أيضا هل السأم مرض مزمن يستحيل علاجه ؟ أم أنه عابر يمكن محاصرته والقضاء عليه ؟ وتبقى نصوص ـ ساعة أنشتاين الأخيرة ـ حبلى بالأسئلة ؟

للقاص والمترجم (وليد سليمان) ـ في الجنون حكمة !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى