الأحد ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم إدريس لكريني

التنوع المجتمعي والممارسة الديموقراطية

يعتبر التعدد العرقي واللغوي والديني والثقافي.. من الظواهر الإنسانية المعهودة التي تتقاسمها العديد من المجتمعات(وجود الأكراد في سوريا والعراق وتركيا، النوبة في السودان ومصر، الطوارق في مالي والنيجر؛ الباسك في إسبانيا، الكروات والسلوفينيين.. في يوغوسلافيا؛ السيخ والأساميين والتيبواس.. في الهند والبربر في شمال إفريقيا وفي السودان وفي جزر الكناري وسردينيا وصقلية ومالطة والأندلس..)، ففي القارة الإفريقية التي يزيد عدد الدول فيها عن الخمسين؛ تتعايش حوالي 2200 إثنية متميزة بلغاتها وثقافتها..، وفي آسيا التي تحتضن أكثر من ثلاثة ملايير من البشر؛ يوجد أكثر من 2000 إثنية متباينة في اللغة والدين والعادات والتقاليد؛ وعلى المستوى العالمي هناك حوالي 8000 إثنية و6700 لغة.

وقد أكدت التجارب والممارسات الميدانية أن درجة انصهار وتعايش مختلف هذه الأجناس داخل المجتمع الواحد؛ تظل في جانب مهم منها متوقفة على طبيعة التعامل الذي تسلكه السلطات السياسية والاجتماعية نحوها؛ فالنأي عن العدالة والحرية والديموقراطية يحرض مختلف المكونات الاجتماعية على الاختباء خلف الخصوصية والميل نحو الانغلاق عن المحيط العام؛ والبحث عن مشاريع بديلة خاصة بها؛ مما يفضي إلى مظاهر من الصراع والاضطراب والتعصب والانقسام؛ فيما التشبث بهذه القيم والمبادئ يكرس الوحدة الوطنية ويدفع نحو التعايش والاندماج.

إن التنوع بشتى مظاهره(الثقافية، الإثنية، الدينية، اللغوية..) يحتمل وجهين: الأول؛ إيجابي وذلك بالنظر للدور الهام الذي يمكن للتعدد أن يسهم به في تحصين وتقوية كيان الدولة؛ إذا كانت تستوعب أهمية هذه التعددية وتكرسها ميدانيا، والثاني؛ سلبي لما يمكن أن يشكله من خطر على استقرار الدولة ووحدتها، وبخاصة داخل الدول التي تتميز فيها مقاربة هذا الملف بالعقم والانحراف.

فالحيف والتهميش والإقصاء الذي يمكن أن يطال أحد مكونات المجتمع؛ سيؤدي حتما إلى تدهور التضامن الداخلي وتهديد وحدة المجتمع؛ ويسبب في بروز أزمات اجتماعية وسياسية، ويستثمر أيضا من قبل بعض القوى الخارجية المترصدة، في شكل مؤامرات قد تعصف بالاستقرار الداخلي للدول الضعيفة(برز ذلك بشكل جلي خلال أحداث أبريل 2001 بالجزائر عندما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي آنذاك "أن فرنسا لا يمكنها أن تظل صامتة بصدد ما يقع من قمع وعنف في الجزائر").

في حين؛ فالممارسة الديموقراطية واعتماد العدالة بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية..؛ تشكل مدخلا كفيلا بتدبير المشاكل والاختلافات، وضمانة للتعايش المجتمعي والوحدة الوطنية؛ وبتحصين المجتمع ضد أية مؤامرات خارجية.

وإذا كانت بعض الدول قد استطاعت أن تتوفق إلى حد كبير في تدبير التعددية الثقافية واللغوية والدينية والعرقية.. داخل مجتمعاتها؛ مثلما هو الشأن بالنسبة لبلجيكا وفرنسا..؛ فإن دولا أخرى شهدت انفجارا للصراعات العرقية والدينية.. بالشكل الذي عكس قصورا واضحا في تدبير هذا الملف(الاتحاد اليوغوسلافي السابق، رواندا، الصومال..)، فيما تحاول دول أخرى إيجاد حلول لهذه المسألة من خلال تدابير وإجراءات تتباين في مظاهرها وفعاليتها من منطقة إلى أخرى؛ وبخاصة في ظل التحولات المتسارعة التي شهدتها الساحة الدولية في العقود الأخيرة؛ انتقال مجموعة من القضايا الداخلية إلى دائرة الاهتمام الدولي(الديموقراطية؛ حقوق الإنسان، تلوث البيئة، الهجرة..).

فهذه القضايا وبعد أن ظلت لسنوات طويلة محكومة بطوق أمني صارم وخضعت في العديد من الأحيان لتدابير صارمة باعتبارها شأنا سياديا داخليا يرتبط بقضايا "حساسة"، استأثرت باهتمام دولي كبير في العقدين الأخيرين؛ نتيجة للتحولات الكبرى التي شهدها العالم(انهيار الاتحاد السوفييتي الذي فرض سياسة صارمة في مواجهة الأقليات والإثنيات..)؛ وما تلاها من تدويل لقضايا حقوق الإنسان وحرياته؛ حيث أصبحت تحتل مكانة بارزة ضمن خطاب مختلف الفاعلين الدوليين من منظمات حكومية وغير حكومية ودول.. ورأي عام دولي إلى جانب قضايا حيوية أخرى؛ ظلت منسية ومهملة بفعل ظروف الحرب الباردة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى